ساذج وحسن النية من يظن أن "فرملة" قرار رسمي لوزارة الزراعة بحماية القطن المصري طويل التيلة الأصيل، من منافسه الخسيس قصير التيلة الصيني والهندي، وراءها مجاملة التجار والصناع و"مافيا الاستيراد" فقط.
"حسن النوايا" في مصر أصبح عملة قديمة، في دولة تعتبرها إما "نِعمة، "تبوسها وتحطها جنب الحيط"، أو "خيل حكومة، ضربه بالنار حلال".
كيف يصدق الفلاح أن الرئيس معه فعلا، ويحمل همه فعلا، وينفذ برنامجه الانتخابي الهادف إلى استقرار الفلاح فعلا، إذا كانت الدولة تدعم قرار استيراد 1.5 مليون قنطار قطن لصالح أربعة أشخاص، لتغرق 1.7 مليون قنطار يجنيها نحو 250 ألف أسرة مصرية من مساحة لم تعد تساوي 12% من تلك التي كنا نزرعها بالقطن قبل نحو عشرة أعوام فقط؟
يا سيادة الرئيس، أنت في واد، وحكومتك في أودية تتفرع وتتشابك لإجهاض سعيك في وادي النماء والرفاه لهذا الشعب.
أنت تعد الفلاح بالرغد، وهم يضربونه في ظهره، أنت تعقد معاهدات الأفراح، وهم يحرقون المواثيق، ويغتالون الفرحة التي تبعثها تصريحاتك وتوجيهاتك لمسئولين يولون الأدبار، ويتبعون المصلحة الشخصية.
أنت تناصر شعب جل قوامه من الفلاحين وأبناء المزارعين الفقراء، وهم يوالون حفنة من التجار والصناع.
أنت تدعو لزراعة مليون فدان، ومنير فخري عبد النور يسافر إلى إيطاليا دوريا للبحث عن فرص صناعية، لكنه لم يكلف نفسه بزيارات تصب في صميم عمله، وذلك بفتح أسواق العالم أمام صادراتنا الزراعية، التي تلقى حتفها في الترع والمصارع، فتفرّخ الأوبئة والآفات الزراعية.
الأنباء المؤكدة التي وصلتني أثناء انعقاد مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الأربعاء 15/7/2015، أن 30 وزيرا من أبناء الذوات، وقفوا ضد أربعة وزراء فقط، من أبناء الكادحين، الذين جاهدوا ضد إلغاء قرار منع استيراد القطن، وهم: صلاح الدين هلال (الزراعة)، عادل لبيب (التنمية المحلية)، أحمد الزند (العدل)، وإبراهيم الهنيدي (العدالة الانتقالية).
النتيجة يا سيادة الرئيس، أن هؤلاء نجحوا في تركيز طعم المرارة في حلوق الفلاحين، الذين فرحوا يوما أو بعض يوم بقرار وزير الزراعة بمنع استيراد القطن، لضمان تسويق محصولهم بالسعر العادل المربح وفقا للمادة 29 من دستور ثورة 30 يونيو، فاستكثر عليهم تاجر أو بعض تاجر هذه الفرحة، ليغتالها في قلبه، قبل أن تتحقق.
الغريب يا سيادة الرئيس، أن هذا التاجر، أو التجار الأربعة الذين يسيطرون على استيراد 95 % من القطن قصير التيلة إلى مصر، أول من يساند حملة دعم شركات الغزول المصرية بنحو 500 مليون جنيه سنويا، كرشوة تشجيعية للموافقة على شراء القطن المصري طويل التيلة وفائق الطول، الذي حولناه عامدين متعمدين إلى سلعة بائرة، بعد أن كان "فياجرا" صناعة النسيج العالمية.
سيادة الرئيس: لماذا دعمت الدولة مزارعي القطن وتجار الغزول العام المضي بأكثر من 900 مليون جنيه، ثم تنبطح أمام رغبة التجار هذا العام لإلغاء قرار وطني بإيقاف استيراد القطن الأجنبي مؤقتا، ولو لمدة قصيرة لحماية إنتاجنا المحلي؟
سيادة الرئيس: لا هم يخافون على الاستثمارات الأجنبية، ولاهم يساندون مصانع الغزل والنسيج المملوكة لمستثمرين أجانب، ولا هم حريصون على تنفيذ بنود اتفاقية التجارة الحرة، لكنهم يرمون إلى خلق المرارة المركزة في حلوق الفلاحين وأبنائهم، حتى يضمنون عزوفهم عن المشاركة السياسية والمجتمعية، ومنها الانتخابات البرلمانية ـ عرس "الاستحقاق الثالث لثورتهم" الغالية.
سيادة الرئيس: إياك وغضبة الفلاح الذي ناصرك وتعلّق برسائلك التي يتوسمون فيها أن تؤمّنهم من جشع وجوع.