الأرض
الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 10:57 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

مستجير .. شاعر زراعي بالهندسة الوراثية

في صمت تام مرت علينا الذكرى الــ 15 لوفاة العالم الفذ الجليل أ.د/ أحمد مستجير بدون أن يتذكره أحد، حيث توفي في 17 أغسطس 2006.

ولد العالم الريفي في قرية الصلاحات، مركز دكرنس، بمحافظة الدقهلية عام 1934، وتوفي عن عمر يناهز 72 عاماً في أحد المستشفيات في النمسا، بعد إصابته بجلطة شديدة في المخ، وغالبا ما تمر ذكراه دونما ضجيج، حيث لا يثير الضجيج المحمود حاليا سوى ذكريات وفاة الفنانين ونجوم الردح، ومع انشغال الناس بخروج الفريق الفلاني من المنافسة الكروية.

أما الإنسان الذي خدم الجنس البشري في مصر والعالم، وحاز العديد من الألقاب، مثل: أبو الهندسة الوراثية، مُزارع الفقراء، بحار بحور العالم، عالِم السعادة، العالم الأديب، عالم الوراثة، الشاعر العبقري، والعالم الذي غواه الشعر، فلم يعد يذكره أحد.

تخصص العالم الجليل الدكتور أحمد مستجير في الهندسة الوراثية، وحقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمته، وآمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته، وهو أيضا الأديب والشاعر ذو الحس المرهف والأسلوب المميز، صاحب الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته وانطلق منها إلى فضاء العلم.

عرَّف مستجير نفسه قائلا: "أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر، وأعرف أن الفن أنا، والعِلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة، "فأنا مطمئن أرنو إلى القلق"

رحم الله العالم الجليل الفذ الأستاذ الدكتور أحمد مستجير ... وجعل علمه "صدقة" جارية فى ميزان حسناته.

وللمتابع بعض الملاحظات:
- من خلال سيرة هذا العالم ونتائج أبحاثه في علوم الوراثة وعلوم الحياة وتوقف الاهتمام بها أو تجاهلها، عرفنا كيف تم "اندثار" الحضارة الفرعونية وانقطاعها عن الحياة في مصرنا المحروسة، "جينات الأهمال واللامبالاه من قديم الزمان".

- اأن هي مدرسة "مستجير"، ولماذا لم يستكمل تلاميذه ما بدأه أو توصل إليه من مسائل علمية وتطبيقية؟

- لماذا لم تستغل كلية الزراعة جامعة القاهرة هذه المدرسة لتطبيق بحوثها على أرض الواقع، رغم أن دولا وجامعات ومؤسسات دولية قامت بذلك وواصلت تطوير ما بدأه؟

- قرأت له ترجمته "للربيع الصامت" وتصرفه فيه بأسلوب أدبي رائع، وهنا أتوقف عند هذا الكتاب "الربيع الصامت" Silent Spring الذي يعتبر أثرا كلاسيكيا في مجاله، حيث يعتبره أرباب الاختصاص من الكتب التي غيرت مجرى التاريخ.

تنتمي مؤلفة هذا الكتاب "راشيل كارسون" إلى نفر من العلماء الواقعيين والمدربين أحسن تدريب في حقل اختصاصهم. وفضلاً عن ذلك، فهي تمتلك بصيرة الشاعر وحسّه المرهف.

في هذا الكتاب استجابت كارسون لنداء الطبيعة بمسحة عاطفية، فكان له أصداءه في حمل الحكومات على إحداث تغييرات جذرية في سياستها تجاه البيئة.

لعبت كارسون دوراً مهما وحاسماً من خلال كتابها هذا في إطلاق حركة حماية البيئة والحفاظ عليها من التلوث والاندثار، ولم يقتصر الأمر على حركات أنصار البيئة فحسب، بل تعدى ذلك كله إلى قيام علم البيئة Ecology ، حتى صار موضوع البيئة وحمايتها ودراستها والاهتمام بها يؤلف جزءاً من الذخيرة اللغوية لدى كل فرد من الناس.

تقول راشيل كارسون في كتابها: كم أخاف أن يأتي الربيع المقبل صامتاً بلا طيور تغرد في الغابة، وتعج الصحراء بالجراد ويتشوه منظر النجوم والقمر.

هل سيكون هناك ربيع صامت جديد مثل ربيع عالمة الأحياء راشيل كارسون وهو الربيع الأسود الذي حذرت منه في كتابها؟

"الربيع الصامت" ليس قصة للاستئناس في قراءتها والإنسان مستلق على الأريكة الوثيرة، وليست من كتب الخيال والقصص العلمية، إنه كتاب ثقة منذر ومنبه استقبلته حركات أنصار البيئة في كل مكان في العالم بفرح. لكن في زمن كان العالم فيه نائما، حيث لم تكن هناك في القواميس مفردات كالتلوث أو البيئة بمدلولاتها الحالية، كانت البيئة غير منظورة للناس، حتى جاء الطوفان الذي نشاهد بداياته الآن، البحار تنقلب في ربع دائرة الأرض، العواصف تتكاثر وتزداد عنفا، الأمطار تتساقط في مكان وتشح في أمكنة أخرى.. كل هذه علامات نهاية العالم.

- والآن في مصر، لدينا ليس ربيعاً صامتاً فقط، بل ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاءاً ... والمقبل أسوء بكثير، وسوف تتقلص الاختيارات جدا، إن لم نتدارك الأمر وننظر إلى البيئة حولنا بقدسية بعيدا عن الاستهتار بها، إذ يجب أن يكون موضوع تغير المناخ والتنوع الحيوي في سلم الأولويات.

تذكر معي جيداً مقولة راشيل كارسون "فتعود الحشرات والأمراض لترث الأرض"

وأعود مرة أخرى إلى عالِمنا " أبو المَزَارع"
رائد علم الهندسة الوراثية فى مصر والعالم، "مستجير".

كان يرى أن «البيوتكنولوجيا» أو التكنولوجيا الحيوية، يمكنها إسعاد الفقراء، ومن خلالها يمكن للعالم زراعة الأنسجة ودمج الخلايا بالهندسة الوراثية، وإنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير.

ولأن معظم البشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، بدأ الدكتور أحمد مستجير فى استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف، لسد فجوة الغذاء.

"زراعة الفقراء"

ويعد مشروع "زراعة الفقراء" أحد أبرز إنجازات مستجير، الذى بدأ العمل فيه عام 1989 بمساعدة عدد كبير من المتخصصين فى مجال الزراعة، لاستنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل درجات عالية من الملوحة والجفاف بهدف الاستفادة منها فى زراعة الصحراء في الدول النامية.

وللدكتور مستجير إسهامات علمية بارزة عادت على المجتمع بالخير، فقد لعب دوراً كبيراً فى تطوير زراعة القمح والتصدى لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثاً علمياً فى مجال إنتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية، كما قام بتهجين الأبقار بأنواع أجنبية، مستخدماً تكنولوجيا التلقيح الصناعى بالسائل المنوي المستورد، مما يؤدى لرفع إنتاجية اللبن واللحم، كما أثرى المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات في الهندسة الوراثية،

مؤلفات مستجير

وتذخر المكتبة المصرية العلمية بعدة مؤلفات للدكتور أحمد مستجير، منها: مقدمة فى علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، في التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، في النواحي التطبيقية في تحسين الحيوانات والدواجن، المشاكل الفلسفية للعلوم النووية، الربيع الصامت، صراع العلم والمجتمع، صناعة الحياة، التطور الحضاري الإنساني، طبيعة الحياة، البذور الكونية، هندسة الحياة، لغة الجينات والشفرة الوراثية للإنسان، والجينات والشعوب واللغات.

مشاريع مستجير

وللدكتور مستجير مشروعات أخرى تغير معالم الاقتصاد و الأمن القومي، لكنها حبيسة الأدراج، منها: مشروع زراعة ملاَّحات كنج مريوط بالأرز الطافى، الذي يُزرع في الفلبين واليابان وبعض دول شرق آسيا.
بعد الزراعة بأيام، يحدث فيها التجذير، أى خروج الجذور ونمو النبات، ليتم إلقاء زريعة سمك، وبعد بداية نمو الأسماك بنسبة ليست كبيرة يتم إدخال البط لتربيته على المسطح المائي.

والمشروع ضخم جدا، ويوفر الأرز و الأسماك والبط، مع تقليل الحاجة لتسميد الأرز بدرجة كبيرة لأنه سوف يتم تسميده من فضلات السمك والبط تسميدا عضويا سليما ومباشرا، وذلك يمنع تكاثر الطحالب عما يلزم، كونها هى الغذاء لزريعة السمك، وبالتالي توفير نحو 75 % من تسميد الأرز و توفير النسبة ذاتها تقريبا من غذاء السمك ونحو 40 % من غذاء البط.

* زراعة مستجير "القاهرة" 1996
* رئيس مركز معلومات تغير المناخ