الأرض
الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 10:57 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

القمح والدجاج على ميزان الأسمدة

ربما لم يتوقع وزير الزراعة الحالي، أن يلاقي الثناء والمديح على قراره الجريء برفع أسعار الأسمدة الأزوتية المدعمة، تنفيذا لتعليمات رئاسة مجلس الوزراء.

القرار على جرأته يتماشى مع الأداء العالمي لأسعار كل مدخلات الإنتاج، التي حوّلت المنتجين إلى خاسرين، خاصة في مجال إنتاج الغذاء، نباتيا كان أم حيوانيا، ومع ذلك، تنتفض السلطتان التشريعية والتنفيذية، ومعها أجهزة رقابية، لاستغاثات الرأي العام، بمجرد ارتفاع مؤشر سعر سلعة غذائية، بغض النظر عن تكلفة إنتاجها، سواء في "الغيط" أو العنبر أو الحظيرة.

لكن هل ننتظر من وزير الزراعة، المشهود له بالجرأة في التنفيذ، وليس في إصدار القرارات الكتابية فقط، أن يستعين أيضا برئيس لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، ومعه زعيم الأغلبية البرلمانية، ليصدر قرارا بآليات تنفيذ محكمة، بتحديد أسعار ربحية لتوريد المحاصيل الاستراتيجية على الأقل، إعمالا بنص المادة 29 من الدستور المصري؟

طبعا: سيرد الوزير ردا منطقيا، بأنه ليس وحده من يحدد سعر المحاصيل الاستراتيجية، خاصة: القمح، الذرة، الأرز، قصب السكر، بنجر السكر، والقطن، لأنه - أي وزير الزراعة - أحد أضلاع مثلث يشاركه فيه وزير التموين ووزير المالية، وهذه المجموعة الوزارية الاقتصادية دائما ما كانت محكومة بسقف "السعر العالمي"، الذي رأينا معه "العجب والصيام في رجب"، خلال الأشهر القليلة الماضية.

كثيرون من أهل الاختصاص (خبراء زراعة ومصنعي وتجار أسمدة)، نادوا بتحرير تجارة الأسمدة الأزوتية، منذ سنوات طويلة، شأنها شأن باقي الأسمدة الأخرى، سواء أحادية أو مركبة متخصصة، مع دعم مخرجات الإنتاج، وكل مُزارع حسب "شطارته".

إذ لا يصح أن تضع لجان تقنين الأسمدة حصة ثابتة للفدان من المحصول، سواء كان هذا الفدان يُنتِج 4 أرادب قمح، أو 24 أردبًا، وما أكثر أفراد الفريقين، ليتحول الأول إلى تاجر سماد أزوتي، بينما يتسوّل الثاني من السوق السوداء ما يكفي محصوله، وفقا للاحتياجات الحقيقية.

الأمر يتطلب صحوة وطنية بين كل الوزراء ونواب البرلمان المعنيين بحماية منتجي الغذاء من الفقر والجوع والسجن، لوقف التصحر في الأراضي الزراعية نتيجة هجران فلاحيها بسبب خسائر الزراعة، ولإنقاذ صناعة الدواجن من التدمير نتيجة الخسائر المتكررة للمربين ومنتجي البيض، منذ نحو 18 شهرا مضت، دون تدخل الدولة بفرض تطبيق المعادلة السعرية العادلة، التي تراعي تكلفة الإنتاج الحقيقية، وتحكم هامش الربح الرحيم قبل وصول السلعة إلى المستهلك.

ربما يرد وزير الزراعة أيضا على النقطة الخاصة بملف خسائر الإنتاج الداجني، بأن هناك لجنة عليا تم تشكيلها، بقرار مجلس الوزراء، لبحث مشاكل صناعة الدواجن ووضع تصورات واقعية لحلولها، لكن يُخشى معه أن يكون تشكيل اللجنة بهيئته التي سطع نورها في اجتماعها الأول، ليس في صالح المنتجين المحليين، مادام تمثيلهم فيها لم يكن بالعدد الكافي لوضع المشاكل الحقيقية لهذه الصناعة نصب عين صانع القرار، وفقا لمبدأ "العرض الأمين".

كلي ثقة في قدرة وزير الزراعة الحالي على إقالة عثرة منتجي الغذاء في مصر، في زمن كثرت فيه مخاطر هذه المهنة، خاصة أن الرجل لديه رصيد كبير من الخبرة في إدارة "مخاطر الائتمان"، وما أحوج الفلاح ومربي الدواجن والماشية الآن إلى ائتمان حقيقي يجنبه المهانة وكشف الستر، وليس هناك ائتمان أقوى من تطبيق المادة 29 من الدستور المصري، لضمان تفعيل شعار "تحيا مصر".