الأرض
الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 10:39 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

تسريبات بيض المائدة

لا أحد يصدق ما يدور في العالم السفلي، لتسويق بيض المائدة في مصر، وهو مُنتَج لقطاع تبلغ الاستثمارات فيه، نحو 300 مليار جنيه (نحو ثلث استثمارات صناعة الدواجن المصرية).

في الأيام القليلة الماضية، تداول تجار البيض ومنتجوه، تسريبات صوتية لاثنين من الأربعة الذين صدرت ضدهم أحكام سابقة في جريمة "ممارسات احتكارية"، ولم يتم تنفيذها لأسباب واهية، منها: سماحة المنتجين أنفسهم، لتوفير جو صحي للتعايش بين المُنتِج والتاجر، وكلاهما لا يستغنى عن الآخر.

التسريبات العجيبة لا يجب وصفها بأقل من لفظ شعبي (قارحة)، وأظنه مصطلح مشتق تفاعليا من وصف (وقحة)، وفيها تم نصب فخ من أحد التجار المحتكرين، لصفيه وخليله، المحتكر الثاني الموازي، وليس المنافس، ليوثقا معا ما كان أهل الصناعة يتحدثون عنه على سبيل "التكهن".

قصة التسريب الأخير لمحادثة هاتفية بين الثنائي المحتكر، تُظهِر أحدهما (ناصب الفخ)، كحمل وديع، يسترحم زميله الحوت لعدم توجيه ضربات قاضية للمربين، بطريقة لا توصف إلا باللفظ السابق، وكلاهما سلاح بارد "لبخس أشياء الناس".

والناس الذين اجتهد صاحبا التسريب في "بخس أشيائهم"، هم المنتجون الذين يجندون أنفسهم وأموالهم وخبراتهم لإنتاج سلعة استراتيجية قوامها نحو 40 مليون بيضة مائدة يوميا، لا يدخل في تعدادها إنتاج التربية المنزلية في جميع أرياف مصر، ولولاهم ما زادت أرصدة التجار المحتكرين يوميا، ولا علت أبراجهم السكنية، وهم مدركون تمام الإدراك أن زيادة أرصدتهم ما هي إلا خصما من رصيد المنتجين، الذين يتفلتون من الصناعة يوما بعد يوم، لتجسيد صورة مخيفة لمستقبل صناعة الدواجن عامة، وقطاع بيض المائدة على وجه الخصوص، الذي يصفي حاليا الجيل الإنتاجي.

هذا الجيل الذي يتم تسريحه عمدا، تعرض لحالة تراجع الكفاءة الإنتاجية لنسبة 70٪، وهذه النسبة تمثل نقطة واضحة على مؤشر الخيبة والخسارة، حيث تعطي كفاءة استثمارية خاسرة لإدارة النفقات والأصول الرأسمالية الكلية.

ومع إلمام هؤلاء المحتكرين بما يفعلونه في المربين، لم تتحرك جهة رسمية حاضنة لمنتجي البيض، مثل الكيان الرسمي الذي يظلهم، وهو اتحاد منشأ بقرار جمهوري، وذلك بالعودة إلى المطالبة بتنفيذ حكم سابق ضد المحتكرين بدفع 200 مليون جنيه.

الإصرار على شراء بيض المائدة من العنابر بأقل من سعر التكلفة، يصل في صالح محتكرين أيضا، يملكون مشاريع عملاقة تُنتِج يوميا ما بين 65 - 90 ألف طبق بيض يوميا، ولديهم من الأرصدة المالية ما يجعلهم "نائمين في الذرة"، في انتظار نتائج حرب تكسير عظام المنتجين الصغار، وحتى المتوسطين، وبعض الكبار الذين ملوا الخسائر، وخابت آمالهم في الاستمرار.

النتيجة الحتمية، مالم تصحو ماكينة الاحتضان الرسمية (الحكومة)، هي خروج معظم القطعان بفعل الجوع، وبفعل مخاوف السجون التي تداعب مربيها نتيجة الديون الثقيلة، سواء للبنوك، أو لشركات الأعلاف والأدوية البيطرية، وهذه الشركات أيضا ما هي إلا كيانات تستدين من البنوك لتغطية أعمالها، وتأمين ضمانات استمرارها.

والحلول الرحيمة بالمنتج والتاجر والمستهلك، تتلخص في تأسيس شركة أو شركات مساهمة مصرية لتسويق الإنتاج الداجني كله (بيض، كتكوت، وتسمين)، يساهم فيها التجار المحتكرون والموزعون المتوسطون والصغار، لردم الهوة بين تكلفة الإنتاج، وسعر البيع من العنبر، ليكسب الجميع.

نهاية: لماذا يهرب المنتجون الكبار من المساهمة في إنشاء شركة تسويق؟