الأرض
الخميس 19 سبتمبر 2024 مـ 06:54 مـ 16 ربيع أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

من «المُر» ما أحيى

محمود البرغوثي
محمود البرغوثي

ويسألونك عن "المر"، فتجد إجابتك مرغما تدور حول كل طعم غير مستساغ، أو شعور بالضيق والضجر من القول أو الفعل أو السلوك، وحتى طِباع البشر.
- تجد وجها عابثا دائما، تطفح عليه مرارة الروح، فلا يؤنسك وجود صاحبه في محفل، كما تجد عينين تطقان شررا تجاه الناظر إلى وجه صاحبهما، وقد لا يعرف هو أن الحقد الذي في قلبه، قد يكون حالة من حالات عدم الرضا على نفسه أو على عيشه قبل عيش الآخرين.
وهذه الحالات من العطب الروحي والنفسي الداخلي، لا تستجيب إلا للعلاج الذاتي، أي بأيدي صاحبها، مثل "شافط الجوزة والسيجارة"، الذي يلزمه تسليك "غابة الجوزة" بسيخ تسليك كلما ضاق شريانها الرئيسي، فبسهولة يمكنه محاسبة نفسه دوريا ومواجهتها بالاعتراف المُر، لأن تراكم الخبث بداخله يطفح على وجهه وعينيه لا محالة، ومثلما يؤذي المحيطين، سيكون هو المكتوي الأكثر بنيران جوفه.

أما "المُر" الحقيقي، فهو نزف لجراح سيقان أشجار جبلية صحراوية، تشبه أشجار الصمغ العربي في إفرازاتها، وسرعان ما تتعرض عصارتها النازفة للهواء، فتتأكسد، ثم تجف، ثم تتبلور، لتصبح بلورات ذهبية اللون كريستالية المنظر، قد تكون نقية بنية اللون لامع جوفها، أو قد تختلط بشوائب من رمال أو أكاسيد أخرى كالرصاص الذي أصابها من عادم السيارات.
وهذه البلورات في حالة غليانها لفترة من 5 إلى 10 دقائق في الماء (ملعقتان كبيرتان على كوب ماء 200 ملل)، تذوب ذوبانا كاملا، إلا من شوائب علقت بها أثناء الجمع والتعبئة، ولذا يجب تصفيتها بمصفاة ليس من النوع الذي يصلح لتصفية النفس البشرية من شوائبها المتجددة.
هذا المستخلص الرائق الناتج عن إذابة "المُرّة"، يفيد بإذن الله في مداواة جراح داخلية عديدة، إلا جراح النفوس والأرواح أيضا، ومن هذه الجراح التي تستجيب لعلاج مستخلص "المُرّة"، ما هو صعب وعصي، مثل: قرحة المعدة والقولون والأمعاء، وجرثومة المعدة، ومنها ما هو سهل التداوي بأعشاب أبسط أو أدوية صيدلانية، مثل: السعال، وآلام العظام والعضلات، ولذا تُضاف إلى أدوية السعال، ومسكنات الآلام الطبية.
"المُرة" أيضاً تحفظ من العطب والعفن، إلا من عطب الروح والنفس كما أسلفنا، حيث استخدمها الفراعنة في التحنيط لحفظ الجثامين من التحلل، ما يعني أنها قاتلة لكل الجراثيم والفطريات والبكتيريا الضارة، وبالتالي تصلح لحفظ الأطعمة، ويتم استخدامها في تجميل الوجه من تجاعيد الزمن، وليس من طفح الخبث الداخلي على الوجوه التي تنفث الغضب.