مزارع الأرز ومحتكر الصويا
غريب جدا أمر وزارة التموين التي تتعامل مع فلاحي الأرز المصريين كمجرمين لأنهم قرروا أن يكونوا طرفا في تحديد سعر لمحصولهم، مع ارتفاع أسعار كل مدخلات الإنتاج، حتى تكلفة طاقة الري والحرث والعمالة، وفي وقت يدعو فيه رئيس الجمهورية لزيادة الإنتاج بهدف سد الفجوة الغذائية، ورفع مؤشر الصادرات المصرية، لبلوغ سقف الـ 100 مليار دولار.
انتظرنا أن تجند الوزارة رجالها، بالتنسيق مع مباحث التموين لشن حملة موازية على تجار الصويا ومحتكريها، بعد أن شنت حملات مخازن أرز الفلاحين، خاصة بعد بلوع متوسط سعر طن الصويا 34 ألف جنيه قبل أسبوع، وهبوطه حاليا إلى متوسط 30 ألف جنيه، وصعود سعر طن الذرة اليوم إلى 13700 جنيه، مع العلم للجميع أن متوسط تكلفة الإفراج عنهما حاليا تساوي 18000 جنيه للصويا، و8200 جنيه للذرة، مع احتساب السعر الجديد للدولار.
سعر طن الأرز الشعير في مخازن الفلاحين لم يبرح سقف 10 آلاف جنيه، فإن كانت نسبة تبييضه 65٪ ، كان الكيلو الأبيض بسعر 15.38 جنيه، ولو ارتفعت إلى 70٪، وهو الاحتمال الأكثر حظا، يكون سعر كيلو الأرز الأبيض 14.28 جنيه، ومع ذلك يُباع الأرز للمستهلك بأكثر من 20 جنيها، بسبب حيتان التعبئة والتسويق والاحتكار.
للأرز على أهميته القصوى عدة بدائل كسلعة، منها المكرونة التي تحل في المرتبة الأولى لدى نسبة كبيرة من المصريين، ومنها من يقاطعه كوسيلة لمكافحة السمنة، لكن الصويا لا بديل عنها في معادلة إنتاج الدواجن والبيض، أي البروتين الأرخص كلفة، والعلاج الواقي ضد التقزم وقصر القامة، والضروري لنمو الخلية الجسدية والعضلية بشكلٍ عام، والنقطة الأخيرة كانت دافعا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر لإنشاء شركتين حكوميتين لإنتاج البروتين عام 1964، هما: المؤسسة العامة للدواجن، والمؤسسة العامة للحوم.
للأرز مليون مزارع على الأقل، لكن لاحتكار الصويا عدد لا يزيد على أصابع اليدين، أي أن الطرف الثاني هو الأسهل والأقل عدديا للملاحقة، كما أن النتيجة عظيمة من ردعه وإجباره على الامتثال للعدالة السعرية، كون هذا الردع سيصب في صالح الإنتاج الداجني، الذي يتعرض حاليا لدمار شامل عواقبه الاقتصادية والمجتمعية وخيمة، إذ إن تكلفة إنتاج طبق البيض اليوم بلغت 90 جنيها، ويُباع من العنبر بسعر 71 جنيها، أي بخسارة قدرها 19 جنيه، ويُتوقع أن تصل هذه التكلفة إلى 100 جنيه، ما لم تتحكم الدولة في تسعير الذرة والصويا، وذلك بالإفراج عن الخامات المحتجزة في الموانئ، ثم مراقبة الخامات المفرج عنها حتى وصولها مواقع الإنتاج مباشرة، دون مبالغة سعرية.
ما تفعله وزارة التموين مع مزارعي الأرز وتجار الصويا، لا يمكن تشبيهه إلا بطريقة الحرب بالبلدوزر ضد الأول، وبالدراجة مع الثاني، الذي يحدد ربحا لا يقل حاليا عن 15 ألف جنيه في طن، استورده بتدبير دولاري بلغ 17.5 جنيه، ويتم تقديره حاليا بسعر 17 ألف جنيه مع رفع سعر تدبير الدولار إلى 24.5 جنيه.
ربما لا يعلم المسؤول والمستهلك حقيقة ما تتعرض له صناعة الدواجن، التي كثر الحديث عن حجم الاستثمار فيها، وعن مسؤولياتها المجتمعية في تشغيل المهمشين من أبناء المصريين، لكن لا عيب في التأكيد على أنها صناعة لا تقل أهمية عن الإنتاج الحربي في دولة مثل مصر، كما أن تعويض الدمار الشامل الذي تتعرض له منذ نحو عامين، يصبح مستحيلا مع التمادي في حبس مدخلات صناعة الأعلاف في الموانئ.
وللتوثيق، فإن ارتفاع سعر طن كسب الصويا إلى 31 ألف جنيه، يرفع تكلفة طبق البيض إلى نحو 90 جنيها، وكيلو لحم الدجاج إلى 45 جنيها، ولا يتقبل التجار والسماسرة أكثر من 71 جنيها اليوم لسعر طبق البيض، و33 جنيها لكيلو الدجاج اللاحم من العنبر، ليصل الأول إلى المستهلك بسعر 75 جنيها، ويحصل المستهلك على الثاني بأقل من 40 جنيها، والنتيجة إغلاق العنابر وتدمير الصناعة.
والملخص: تعامل وزارة التموين مع فلاحي زراعة الأرز وتجار الصويا يجعلنا نستعير صيغة موازية للحديث الشريف: أهلك من قبلكم، أنهم كانوا إذا احتكر منهم التاجر القوي باركوه، وإذا تنفس الفلاح المعدم أزهقوا روحه وحبسوه.