د. شكرية المراكشي تكتب: خطة التحرير من أغلال الذرة والصويا
أزمة طاحنة ضربت قطاع تربية الدواجن وإنتاج البيض في مصر، والسبب ليس عدم توافر الخامات، ولكن نقص الدولار، وهي في الحقيقة مشكلة تدعو للحزن على حال واحد من أهم قطاعات إنتاج البروتين في مصر، احتفى منذ أكثر من عقد زمني مضى بتحقيق الاكتفاء الذاتي من البروتين الأبيض.
لكن المأخذ السلبي على هذا القطاع، هو أن معظم مستلزمات إنتاجه مستوردة، أي ينقصه الكثير ليحقق الاكتفاء الذاتي الحقيقي الذي نفهمه، وهو أن تكون أغلب عناصر احتياجاته محلية الإنتاج وليست مستوردة.
ولكن رغم هذه الأزمة، فإن الدروس التي يمكن الخروج بها كبيرة، وأهمها: أن الأعلاف يجب أن تكون على رأس خطط الاكتفاء الذاتي، وأنا أعلم أن هذه الكلمات ستزعج أباطرة الاستيراد وتابعيهم من ناشري الإحباط وادعاء الكذب على كل الأفكار العلمية الرامية إلى أن تصبح أرض مصر مصدرا لكل الخيرات.
ولن تصبح مصر مصدرا لكل الخيرات إلا باستغلال هبات الله الكثيرة التي منحها إليها وجعلها قادرة على أن تكتفي بها من كل شيء، دون الحاجة إلى أن يتكسب سماسرة الداخل والخارج من وراء سد فجوة غذاء شعب طيب ومكافح وذكي، يستحق الأفضل دائما، لا أن يبقى أسيرا لتذبذب الاسعار وعدم استقرار السوق وجشع التجار والمستوردين.
في الادبيات التقليدية لتربية الدواجن، تبقى الذرة والصويا من المقدسات التي يظن البعض أنه لا يجب المساس بها، لكن الكثير في العالم يعرف أن هناك بدائل وابتكارات مختلفة لإنتاج أعلاف طبيعية من مصادر صحية خالية من مساحيق الدم ورؤوس الحيوانات وعظامها، وتعطي نتائج اقتصادية ممتازة بل ومجربة في دول مختلفة وتعيش عليها منذ سنوات.
فهناك بدائل طوال الوقت بل وأفضل من المتاح والمعتاد عليه في أوطاننا، لكن قصر النظر والجهل يخيلان لنا أن الطبق الذي يوضع أمامنا لنأكل منه هو الأول والأخير ولا بديل عنه.
فهناك بدائل تحتوى على نسب بروتين أعلى من الذرة وتقترب من ثلثي بروتين الصويا، مثل الأزولا والبونيكام، وكذلك كسب الكينوا وكسب بذرة القطن، ونبات السليكورنيا الذي ينموعلى مياه البحر المالح، وآمن تماما في التغذية وعالى في محتوى البروتين.
وهناك نبات رائع يستخدم في أسيا على نطاق واسع، وهو السوبر مومباسا، وقد يفاجأ البعض بأن استخدام نبات المورينجا في تغذية الدواجن يعتبر من الأمور الأساسية لقطاعات كبيرة من مربي الدواجن في دول شمال أفريقيا كتونس والمغرب والجزائر لمحتواه من البروتين الذي يصل إلى 22%، فالبلدان الثلاثة لا تعتمد على الذرة بشكل أساسي في صناعة الأعلاف.
والعجيب أننا في مصر مازالنا محبوسين في سجن الذرة والصويا والمكملات التي لها ألف بديل طبيعي وممتاز، لكننا نفتقد الجرأة والرغبة في التجديد والمغامرة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الأعلاف، وفوق ذلك الاستسهال الذي يعتبر آفة في كثير من المربين، وكذلك المصالح التي تجمع الكثير من المستوردين فيحاربون من أجلها كافة الأفكار المميزة والبدائل الصحية والطبيعية.
والمفاجأة أن هناك نباتات آخرى عالية الإنتاجية ومرتفعة جدا جدا في محتوى البروتين بدأت الظهور في الغرب وستمثل ثورة في الأعلاف الحيوانية في العالم لكن مازالت لم تصل إلينا طرق زراعتها في وطننا العربي، لكن كل شيء ممكن بالسعي والبحث والرغبة في الاستقلال والاكفتاء الذاتي، وكذلك إضافات الأعلاف المحتجزة الأن في الموانيء يوجد لها بدائل مختلفة في الأعشاب الطبيعية التي تستخرج منها المواد الفعالة للأدوية، ويمكن بإضافتها بمعايير مدروسة أن تدؤي لنتائج أفضل من الإضافات الحالية.
لكن من يجرب ومن يجرؤ على الخروج من دائرة الأعلاف التقليدية، ليُحدِث ثورة حقيقية في مستلزمات أساسية لها ألف بديل؟
…….
* خبيرة زراعية
رئيس مجلس إدارة شركة "مصر- تونس"