عام 1997 باعت الدولة الأراضي الصحراوية في نطاق المحافظات، بمئات الجنيهات، فسقعها المشترون وباعوها بالآلاف لمغفلين آمنوا بآيات الخضار.
اجتهد المغفلون في استصلاح الأراضي، فعبدوا الطرق، وحفروا الآبار، ونقلوا على أكتافهم الصخور، وأحلوا بها السباخ البلدي والمصنّع، وأسسوا الشبكات وفقا لطرق الري الحديثة، ثم زرعوا الأرض، وبدأوا في عملية شاقة تشبه عملية "حلابة الثور"، أو "تلقيح الذكر"، كما يقولون في باب "المستحيل".
انتبهت الدولة، ممثلة في جميع جهات الولاية على الأراضي، إلى أن الاتجار بالأرض يحقق الملايين للأفراد، فأوحى لها ما أوحى، حتى تفنن أعضاء اللجان الشيطانية في وضع أسس المتاجرة بالأراضي، وتحقيق المكاسب الريعية، بدلا من دعم المزارع وتذليل الصعاب أمامه.
اخترعت جهات الولاية "رسم التنازل"، و"الاستشعار عن بعد"، و"البنية القومية"، و"رسوم الخرائط"، وموافقات الآثار والجيش والمحاجر، وغيرها، حتى في المناطق التي لم يعثر فيها المواطن على "ريحة قومية"، والمقصود طبعا بالبنية القومية "الترع أو الآبار الجوفية" التي أنشأتها الدولة أو حفرتها.
بدأت محافظة البحيرة مثلا، في تحديد رسم التنازل، من "التاجر المسقع" إلى المزارع بـ 200 جنيه للفدان، حتى 2008، ثم ضاعفت المبلغ إلى 400 جنيه حتى نهاية 2009، لتبدأ المتوالية الهندسية في التضاعف، حتى بلغ رسم التنازل عن الفدان 4000 جنيه، في الوقت الذي باعت فيه الفدان بـ 600 جنيه بالتقسيط على تسعة أعوام.
لم تفكر الدولة في فرض أي رسوم أو ضرائب، على من "سقّع وتاجر وحقق أرباحا، ثم هرب"، ليجد المشتري المزارع نفسه أمام "الضرائب العقارية"، ورسم التنازل عن التخصيص، ثم إعادة الكرَة بالرفع المساحي، عشما في الحصول على عقد نهائي، لا يتم شهره في الشهر العقاري، إلا إذا فقد المشتري المزارع صوابه، ليظل كما هو بدون هوية.
عام 2007 كان سعر السولار 80 قرشا لليتر، وكانت الزراعة لا تحقق ربحية، فأصبح كل من زار الصحراء بغرض الزراعة يحمل بالكهرباء، لتنخفض تكلفة الري والاستئناس بالإضاءة طول الليل، وحين دخلت الكهرباء في بعض الأماكن منذ 2011، كان سعر الكيلو للري 11.25 قرش، وظل كما هو حتى قامت ثورة 25 يناير، ورحل الدكتور حسن يونس عن وزارة الكهرباء، ليحل محله الدكتور محمد شاكر، أحد أكبر المقاولين في مجال محطات الكهرباء ومشاريعها العملاقة، وصاحب المكتب الاستشاري المعروف في هذا المجال، فرفع سعر الكيلو ليصل إلى 17 قرشا حتى 30/6/2016، لتتضاعف فاتورة شهر يوليو، دون أن يخبرنا أحد عن السعر الجديد للكيلو، وبالتالي تتفوق تكاليف الري بالكهرباء عن التكاليف السابقة بالسولار، حتى في ظل ارتفاع سعر السولار حاليا إلى 180 قرشا لليتر.
كل من يزرعون الصحراء حاليا، يشعرون بالأسى، فلا دولة تعرف كيف تدعم الزراعة، ولا أحد يشعر بأن الزراعة فعلا هي الأمن القومي الفعلي المباشر في أي دولة، خاصة مصر، التي تستورد أكثر من 70 % من غذائها.
أسعار الأسمدة تضاعفت ما بين 2007 و2016، ولم تطرأ زيادة بنسبة واحد في المائة على أسعار الحاصلات الراعية، كما زادت تكاليف الطاقة المستخدمة للري، كما أسلف، وحدث ولا حرج عن أسعار العمالة، مع ثبات أسعار الحاصلات.
في النهاية، نجد أنه في مجال الزراعة في مصر، وربما في مجالات أخرى، لم أعرف عنها شيئا، أن من يجد لا يجد غير المر، ومن يزرع، لا يحصد غير الحنظل.