عائلة «الحاجة فتحية»: أم و34 ابنة بـ«التبنى والرعاية»
لدى الساعة الثامنة صباحًا، تختلس الحاجة فتحيّة غفوة قصيرة بعد صحوها شديد البكور، إذ يبدأ يومها بعد صلاة الفجر بالإشراف على مراسم إعداد الإفطار وتجهيز الملابس المدرسيّة وحصص الاستذكار القرآنية الصباحية لأربع وثلاثين طِفلة ينادونها بـ «ماما»، وتُسدِى هى لهُن ما تُسديه الأم لبناتها، بغير أن تكُن بناتها بالدمّ، وتتشارَك وزوجها، الحاج عبدالعال، مهمّة التكفُل المادى والمعنوى بالفتيات، فى حالة متفرِدة من الرعاية الأُسرية، يحلو لأصحابها أن يُطلقوا عليها «عائلة لمسة أمل». «إحنا ما بنذكُرش كلمة أيتام»، منذ اللحظات الأولى التى تطأ أقدامك فيها البناية، يُشدد عبدالعال، الأب الستينى للفتيات الأربع والثلاثين، على كُل من يزور بنايته الأسرية بالتزام القواعِد الموضوعة بحُب وصرامة فى نفس الوقت، والتى جعلت الكيان الذى أسسه قبل 12 سنة «بيتا» تسكُنه «عائلة» قوامها أب وأم وأربع وثلاثين ابنة، وليس «جمعية» يسكُنها مُدير وأمهات بديلات ومشمولات بالرعاية الاجتماعية. عام 1969، التقى الشريكان فتحيّة وعبدالعال، وتعاهدا على الشراكة والمحبة. يستعيد عبدالعال عهودهما الأولى وأمنياتهما المشتركة «تمنينا أن يكون أول رزقنا بنتا»، غير أن القدر لم يُكلل أمنيتهما. قبل اثنى عشر عامًا، وبالأخص فى عام 2005، طلبت فتحية من زوجها تأسيس عائلة لمسة أمل، لتتحول لمسة أمل إلى «عيدهم، وصلاتهم، وصيامهم»، حد تعبير عبدالعال. «كُتب علينا أ نربى»، أيام وليالى من التدقيق قضاها الشريكان فى اختيار من يعتنى بشؤون الفتيات. يستعيد عبدالعال المحاولات الأولى فى اختيار مُديرات للدار وأمهات بديلات، والتى تكللت أخيرًا بقناعة شخصية لديه وزوجته أن أحدًا لن يعتنى ببناتهما بالشكل المُرضى، لتنتج عن هذه القناعة إقامة شبه دائمة لهما فى مقر «لمسة أمل» وإشراف شخصى منهما على كافة تفاصيل التنشئة والتقويم للفتيات، تبع ذلك تصفية الزوج لأعماله وتفرُغ «ماما فتحية» بشكل تام لإدارة يوميّات الفتيات. فى فصل المراجعة وحل الواجبات الذى يجمع الفتيات بعد تناول الغداء للاستذكار سويًا بإشراف «ميس سكينة»، تبادلت أمانى وياسمين ووردة وهبة وسحر وأخواتهن الإعلان عن أمنياتهن للمُستقبل على طريقة «نفسِك تطلعى إيه لما تكبرى؟». تنوعّت أجوبة الصغيرات شأنهن شأن قريناتهن فى مثل هذه السن: عالمة، ورائدة فضاء بوكالة ناسا، ومهندسة، ومعلمة، وطبيبة، وداعية إسلامية «زى ماما»، هكذا عبرت إحداهن تأثُرًا بفتحية. غير أن فتحيّة وعبدالعال، شأنهما شأن أى أب وأم، يمتلكان خُططًا تقريبية لتأمين مُستقبل الفتيات. يحلُم عبدالعال وفتحية هذه الأيام بتكريس مجهوداتهما لتحسين الرعاية الصحيّة للأيتام، وذلك عن طريق تأسيس مُستشفى لتقديم الخدمات الصحية والعلاجية بالمجان وعلى أعلى مُستوى لخمسة ملايين يتيم بمصر لا يتمتعون بالضرورة بمظلة تأمينية صحيّة جيدة، حسب عبدالعال. غير أن الجُزء الذى يتعلق بالبنات الأربع والثلاثين فى المشروع الجديد، هو تخطيط الأب والأم أن تقوم إدارة المُستشفى بالكامل عليهن، فتعمل من تعمل منهن بالطب، وأخريات بالإدارة، والعلاقات العامة، وغيرها من الأقسام التى يتمنى الأب والأم أن تضطلع بناتهن بإدارتها بالكامل فى المُستقبل. رغم اللافتة التى تعلو الدار مُعلنةً عن موقفه القانونى «جمعيّة لمسة أمل لرعاية الأيتام» المُسجلة بوزارة التضامن الاجتماعى منذ 2005، يتمنّى عبدالعال لو أنه يستطيع أن يُسقطها دون مُلاحقة قانونية، ضمن جُملة من الإجراءات التى يتخذها وقرينته لحفظ شعور الصغيرات وتوفير حياة كريمة لهُن، وعلى ذلك لا تستطيع فتحية تصوُر على أى نحو كانت ستصير حياة فتياتها بصُحبة أمهات بديلات غير مُدربات وصغيرات فى السن والخبرة، تقول فتحية «الأمهات البديلات قنابل موقوتة فى دور رعاية الأيتام، طفلة بتربى أطفال وبتأسس نفسيّتهم». بدوره يسترجع عبدالعال قراءات الثُنائى والموسوعات التى قرروا اقتناءها بمُجرد اتخاذهم قرار تأسيس «عائلة لمسة أمل»، والاضطلاع بمهمة التربية الشاقة، يقول عبدالعال «قرينا مجلدات عملاقة، كل مُجلد عن مرحلة من مراحل النمو والأسلوب الأمثل للتعامُل مع الطفل فيها»، ليُرشِح وبشدة من واقع خبرته تأسيس معهد خاص لتخريج أمهات بديلات مُدربات ومحترفات للتعامُل مع أطفال دور الرعاية.