مراكز التلقيح الاصطناعي ”مزايا واخطار” على الموارد الوراثية
إرتفاع أسعار الطلائق وتكاليف رعايتها وسرعة نشر التراكيب الوراثية كلها عوامل ساعدت وتساعد فى إنشاء ونشر مراكز لجمع السائل المنوى وتجهيزه وحفظه وتداوله بالشكل السليم لاجراء عمليات التلقيح الإصطناعى، كما أنه وسيلة لحفظ الموارد الوراثية للماشية المصرية حيث أنه يمكن الإحتفاظ بالسائل المنوى لفترات طويلة.
لكن هل هذه المراكز تقع تحت الرقابة اللازمة؟ سواء من ناحية تقييم المورد الوراثى أو من الناحية الصحية؟.
هل تتوفر البيانات التى يجب أن تتواجد ويجب أن يتم تجميعها داخل أى مركز لتجميع السوائل المنوية (النطف) سواء من ناحية التوزيع أو من ناحية متابعة نتائج النتائج من إستخدام هذه النطف فى التلقيح؟.
هل تستخدم هذه المعلومات فى تقييم الطلائق لضمان عملية التحسين الوراثى فى الماشية المصرية؟.
كل هذه امور وتساؤلات يجب الاهتمام بها لمراقبة ومتابعة هذه المراكز ومتابعة الملقحين الذين يقومون بعملية التلقيح.
لقد أصبح اليوم التخصيب الإصطناعي أمراً روتيناً وعادياً وهو أداة خطيرة ذات حدين أحدهم نافع والأخر ضار.
وفى هذه المقالة لن نتطرق إلى التفاصيل التقنية فى عملية جمع السائل المنوى وحفظه وتوزيعه إنما نتطرق فى هذا الموضوع لوضع مراكز التلقيح الإصطناعى تحت المجهر بغرض تصحيح المسار ووضعها فى الإطار السليم حتى نحافظ على مواردنا الوراثية من الإنهيار ونضمن عند وجود برامج تحسين وراثى أنها تسير فى الطريق السليم.
نحن نهدف بتركيز الضوء هنا على التطوير والرقابة والمتابعة والمسائلة فى ذات الوقت.
وفى البداية كان لابد أن نعرف ما هو المقصود بالتلقيح الإصطناعى Artificial Insemination (AI) ، حيث يعرف بإنه العملية التي من خلالها يتم وضع الحيوانات المنوية (التى تم جمعها بطريقة آلية من الذكور، ثم تخفيفها وحفظها) داخل الجهاز التناسلي للانثى بإستخدام وسائل أخرى غير الجماع الطبيعى حال شياعها.
ويتم ذلك بعد تحديد الشبق فى الإناث أو بعد استحداث عملية التبويض لها اصطناعياً من خلال التنبيه الميكانيكي العصبي أو الهرموني أو الحيوي، وذلك كي يتم التقاء الحيوانات المنوية بالبويضات المفروزة فتحدث عملية الإخصاب و من يتم الحمل .
بعد الحرب العالمية الثانية حدث الإستخدام الواسع للتلقيح الإصطناعى، وخاصة في الماشية، والذى اعتبر من أهم التطورات في تربية الحيوان.
هذه التقنية وفرت فرصاً واسعة ومهمة للمربين للحصول على نطف (سوائل منوية) من طلائق محسنة لا يستطيعون شراؤها بسبب أسعارها المرتفعة.
كما أن تطور طرائق التحسين الوراثي للذكور، وخاصة طلائق ماشية الحليب، واستخدام الطلائق المختبرة وراثياً، قد ساعدت على إحداث تحسين وراثي كبير في القطعان، ومن ثم إلى ارتفاع المستويات الإنتاجية بسرعة فائقة.
وفى هذا الإطار فقد ازداد إنتاج الحليب زيادة كبيرة مما ساعد على تقليص أعداد الأبقار المنتجة وبالتالى سوف يهم ذلك فى إنخفاض إنطلاق غاز الميثان أحد الغازات المشاركة فى ظاهرة الإحتباس الحرارى والتغير المناخى.
ومن البديهي أن ذلك كان متزامنا مع التطور الكبير في رعاية القطعان وتغذيتها والحفاظ على صحتها.
هذا ويعدالتلقيح الإصطناعى من العوامل المساعدة فى تطبيق برامج صون وتحسين الموارد الوراثية المحلية والأجنبية بالقطر المصرى، فيستخدم فى حفظ الموارد الوراثية المحلية وكذا فى تحسينها وسرعة نشرها. وعملية التلقيح الإصطناعى تهدف للإستفادة من جينات الطلائق عن طريق نقل الكثير من الصفات الإيجابية قدر المستطاع إلى الإناث من ذريته مثل نسب البروتين والدهون في إنتاج الألبان وصحة الضروع وتيسير عمليات الولادة وتقليل الإجهاض.
هذا ويتم جمع السائل المنوي من الطلائق مرتان خلال الأسبوع بهدف التلقيح الاصطناعي للأبقار.
ونظرا لإن الثروة الحيوانية فى مصر مبعثرة فى حيازات صغير وبالتالى لا تستطيع هذه الكيانات الصغيرة تربية طلائق نظرا للكلفة الإقتصادية العالية وكذا صعوبة التعامل مع هذه الطلائق.
الأمر الأخر تستخدم هذه التقنية فى عملية الخلط "الممنهج والمدروس" بين الحيوانات المحلية والأجنبية للحصول على خلطان ذات إنتاجية عالية (على أن يكون ذلك تحت إشراف وإدارة وطنية خبيرة تهتم بالحفاظ على الموارد الوراثية وإستخدامها الإستخدام الأمثل من خلال خطط قومية لذلك).
كما يمكن من خلال هذه التقنية نشر صفات محسنة ومرغوبة بشكل كبير خاصة عندما يكون لدينا بعض الطلائق لها قدرة مرتفعة على التوريث.
كما أن التلقيح الإصطناعى يجب أن يتم بعد الفحص التناسلى الجيد والمتخصص للإناث لضمان خلوها من المشاكل التناسلية والأمراض. من مزايا التلقيح الإصطناعى أنه يساعد فى تقييم الطلائق وتحديد صفاته الوراثية وقدرته على التوريث حيث تتيح هذه التقنية نشر نسل الطلوقة بعدد كبير من النتاج يصل للآلاف مما يوفر حجم ضخم من البيانات التى تستخدم للمساعدة فى زيادة دقة التقييم والإختبار بالنسل لهذا الطلوقة وبالتالى نضمن أن تكون القيم التربوية للطلوقة دقيقة بشكل كبير.
كما يمكن حفظ نطف هذا الطلوقة وإستخدامها حتى بعد فناء الطلوقة لسنوات طوال.
وأرى من وجهة نظرى أن تلتزم المزارع الكبيرة بلإحتفاظ بتواجد طلائق مميزه لها قيمة تربوية عالية كى يساعد ذلك فى برامج التحسين الوراثى وأن يكون للدولة دور فى مساعدة هذه المزارع من خلال برنامج قومى محدد للتحسين الوراثى يتم الإستفادة منه على المستوى القومى، وهناك تقنيات حديثة الأن تساعد على إختيار الطلائق فى عمر صغير حتى تكون نواه لإنتاج طلائق محسنة يمكن إستخدمها على المستوى القومى فى مراكز تجميع السائل المنوى، ويمتلك معهد بحوث الإنتاج الحيوانى وغيره من المراكز العلمية بمصر بالخبرات التى يمكن الإستفادة منها فى هذا الشأن.
هذا الأمر يحتاج إلى آلية ووضع إدارى ضمن منظومة التحسين الوراثى للقطر المصرى وخطط على المستوى القومى.
على الجانب الآخر ظهرت تقنيات اخرى تساعد على زيادة الفوائد الممكنة من التلقيح الإصطناعى إلى أقصى حد ممكن، ومن أمثلة ذلك استخدام الإنتخاب المدعوم بالواسمات الوراثيةMarker assisted selection (MAS) لإستخدامها في إنتخاب الحيوانات بأعمار مبكرة ونشر مورثاتها الممتازة منها بوساطة التلقيح الإصطناعى على أوسع نطاق.
كما يعملون على تحسين طرق تحديد الجنس في نطاف الثيران المختبرة مما يمكِّن من التوسع في إنتاج الإناث من ماشية الحليب والذكور من ماشية اللحم.
كما أن تقنية تنظيم الشياع Estrus synchronization تمكن من التوسع في إستخدام التلقيح الإصطناعى، وذلك بالمعاملة الهرمونية للإناث بغرض دفعها إلى إظهار الشبق في أوقات متقاربة مما يسهل من تلقيحها في فترات محددة، ويؤدي ذلك إلى أن تضع مواليدها في أوقات معينة من السنة.
ليس هذا وحسب بل وصل الحال الى أنه يمكن معالجة الإناث الجيدة الصفات (التى تمتلك مكنون وراثى عالى) بالهرمونات (هذا ما يطلق عليه بالتبويض المتعدد Multiple ovulation) لدفعها إلى إنتاج عدد كبير من البويضات ، وبعد تلقيحها اصطناعياً تجمع البويضات وينقل المخصب منها إلى أرحام أمهات "مستقبلة ٌ"Recipient تم إعدادها هرمونياً لتنمو الأجنة التى تم زرعها حتى الولادة. وهذا مايعرف باسم التبويض المتعددة ونقل الأجنة Multiple ovulation and embryo transfer (MOET)، ويؤدي ذلك بالطبع إلى زيادة الإستفادة من الإناث المحسنة والمميزة وراثيا في التحسين الوراثي.
ورغم كل ماسبق، فإن الأمور ليست ورديه لهذه الدرجة فالتلقيح الإصطناعى قد يكون وبال على الثروة الحيوانية ويؤدى الى مزيد من التدهور. حيث يؤدي إستخدام سوائل منوية مجموعة من ذكور غير مختبرة وراثياً إلى نشر مورثات رديئة على نطاق واسع، مما يؤدى ذلك إلى خفض المستويات الإنتاجية في القطعان أو إلى ظهور آثار مورثات ضارة أو مميتة فيها. وبالتالى، فإن التهاون في تطبيق برامج صحية صارمة يمكن أن يؤدي إلى نشر أمراض تناسلية عديدة في الإناث الملقحة إصطناعياً.
المشكلة أن بعض المراكز التى يتم فيها جمع السائل المنوى من طلائق ليس لها إعتماد من الناحية الوراثية ولا الصحية ولا يوجد عليها إشراف بشكل علمى كما أن هذه المراكز لايوجد لديها بيانات عن التلقيحات التى تخرج منها وأماكن توزيعها ونتائجها مما يعد من الأمور الخطيرة على الموارد الوراثية سواء المحلية أو الأجنبية.
إن عدم وجود لجنة من المتخصصين فى تربية الحيوان الزراعى من أساتذة المراكز البحثية المتخصصة فى الإنتاج الحيوانى أو كليات الزراعة لمراقبة وتقيم الطلائق وراثيا سوف يؤدى الى نشر نطاف ذات مورثات رديئة أو يحد من الإنطلاق لأى برامج للتحسين الوراثى، وان خطورة هذا الامر تكمن فى أن الطلوقة الواحد يمكن أن يتم تلقيح آلاف الاناث من نطفه وهذا مايسبب إهدار للثروة الحيوانية.
فى المقابل يجب أن تكون هناك لجنة من المتخصصين فى المجال البيطرى لفحص الطلائق صحيا من ناحية الأمراض والمشاكل التناسلية التى تتعرض لها الطلائق والسوائل المنوية التى يتم التحصل عليها منها، كذلك فحص الاناث التى سوف تتلقى هذه السوائل المنوية.
على الجانب الآخر فإن إستيراد السوائل المنوية من الخارج لابد أيضا أن يخضع للرقابة الشديدة من قبل المتخصصين فى تربية الحيوان لوضع البيانات الخاصة بالتربية للطلائق التى تم الحصول منها على هذه النطف موضع التقييم الصحيح للصفات التى يحملها والصفات المرغوب توفيرها لإستخدمها فى تلقيح الحيوانات بالقطر المصرى، فكل المستوردين للسائل المنوى من الخارج لايهتمون بما يجب أن يتم الإهتمام به من صفات على حساب صفات اخرى طبقا لما يلزم برامج التحسين وخطط التربية التى يجب أن توضع من قبل المتخصصين وطبقا لقواعد وإسس معينة وليس بإطلاق الأمر لعنانه.
من هذا المنطلق و نظرا لخطورة هذا الأمر فإننى اطالب من معالى وزير الزراعة بإستصدار قرار وزارى عن مسئولية معهد بحوث الإنتاج الحيوانى بالإشراف على مراكز تجميع السائل المنوى على مستوى الجمهورية لفحص وتقييم وإختيار الطلائق المحسنة وراثيا ولايتم إستخدام أى طلائق أو إستيراد سائل منوى إلا بعد الإعتماد من المعهد بواسطة المتخصصين فى مجال تربية الحيوان من خلال لجنة تضم خبراء المعهد وغيره من الجهات ذات الصلة.
وأيضا يجب أن يقع الإشراف الصحى لهذه الطلائق وما يجمع منها من سوائل منوية لمعهد بحوث التناسليات بالهرم.
وبالتالى تقع مسئولية نشر السوائل المنوية تحت إشراف هذه الجهات المتخصصة كل فيما يخصة طبقا للتخصص بما لايجور فيه تخصص على الآخر على أن يتم تجميع البيانات اللازمة عن هذه المراكز بشكل دورى لدراستها وتقيمها ضمن خطة قومية للتحسين الوراثى وصون الموارد الوراثية الحيوانية، ويكون أى تقصير فى هذا الأمر مسئولية هذه المعاهد.
د.فوزى ابو دنيا - مدير معهد بحوث الحيوان السابق