احذروا الدائرة الرمضانية المغلقة
كنت أعتقد في بداية حياتي العملية كطبيبة، أن يقل عدد المرضى في رمضان ولكنني فوجئت بالعكس .
فمن البديهي، أن تقل كميات الطعام لضيق الوقت ما بين الفطور والسحور وخاصةً إذا تخللته العبادة، مما يساعدعلى قلة مشاكل الجهاز الهضمي، نزول الوزن وتحسن الأمراض المزمنة كالسكري، أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم ودهون الدم.
لكن المثير للانتباه، هو زيادة عدد مرضى الطوارئ بعد المغرب في رمضان وبسؤال المريض والمحيطين، كانت الإجابة في أغلب الحالات تدور حول العادات الخاطئة الأكثر انتشاراً في رمضان.
فأردت رصد أشهر هذه العادات التي تسببت في تلك الظاهرة ونشر الوعي بها لمحاولة تغييرها ومنع كوارثها، والتي منها؛
بدء الإفطار بالتدخين، حيث يزيد امتصاص النيكوتين على المعدة الفارغة مما يضعف مناعة الجهاز التنفسي ويزيد الربو والحساسية الصدرية.
أو بدء الإفطار بتناول الماء أو العصير المثلج، مما يصدم المعدة ويجعلها تتقلص، أو تناول كميات كبيرة من الماء الذي يخفف من العصارة الهضمية فيعوق عملية الهضم، و هو ما يسبب آلام المعدة بعد الأكل.
ومن أخطر العادات، مضغ الأكل بسرعة، مما يؤدي إلى تناول كميات كبيرة من الطعام قبل أن نصل للاحساس بالشبع الذي يستغرق ٢٠ دقيقة، والذي ممكن أن نصل إليه بمضغ الأكل ببطء، بكميات قليلة من الطعام وبهضمٍ أفضل وذلك لأن هضم الطعام يبدأ في الفم.
كذلك تناول الطعام أمام التلفاز ، مما يشتت الانتباه، فلا نركز في كميات الطعام، فنتناول الكثير أيضاً.
والذي لا يعرفه الكثيرون أن البدء بالنشويات، كالرز والمكرونة والخبز، يرفع مستوى الإنسولين في الدم فيزيد الاحساس بالجوع، مما يؤدي إلى تناول الكثير من الطعام وتخزين الكثير من الدهون وزيادة الوزن وزيادة الأمراض المزمنة سوءً.
والأفضل أن نبدأ بالشوربة الدافئة، ثم السلطة والخضار ثم البروتين وننتهي بالنشويات .
ولا أعلم ما الحكمة في تناول المقبلات والمخللات في رمضان، ونحن لانحتاج ما يحسن شهيتنا ويزيد من ضغط دمنا، لأن نتيجة زيادة الملح في الطعام هي تخزين الأملاح و السوائل في الجسم مما يمثل خطورة على مرضى القلب وارتفاع الضغط و يسبب زيادة الوزن أيضاً.
و الكم الهائل من العصائر الجاهزة أو تلك الطبيعية والمشروبات الرمضانية، المحلاة بكمية كبيرة من السكر ، ترفع سريعا ً نسبة السكر في الدم وبالتالي الإنسولين، فتزداد الشراهة للحلويات، ويرتفع ضغط الدم ونسبة الدهون الضارة التي تؤدي إلى تصلب الشرايين، وزيادة الوزن ايضاً ، تلك الدائرة الرمضانية المغلقة والتي تسبب الكثير من الأمراض.
و كنت أتساءل كثيراً كيف يتخيل البعض أن المعدة الهادئة لساعات عديدة تتحمل كل هذا القدر من المقليات والدهون أثناء إعداد الطعام، مما يؤدي إلى عسر الهضم ، ارتجاع المرئ، الانتفاخ والاحساس بالتخمة، كأنه العقاب لها على راحتها بعض الوقت.
والكثير يتناول الشاي والقهوة بعد الأكل مباشرة، فيُعَاق امتصاص الحديد و الكالسيوم الموجود في الطعام بسبب الكافيين الموجود فيهما، والأخطر منهما المشروبات الغازية التي تحتوي على كميات عالية من السكر والملح بالإضافة للكافيين.
ولخاصية إدرار البول في المشروبات المحتوية على الكافيين ضررٌ بالغ على الصائم بسبب فقده الكثير من السوائل التي تعرضه للجفاف.
لذلك ينصح بتجنب تلك المشروبات خاصةً في السحور ، كما يفضل استبدالها بعصير الفواكه أو المشروبات الصحية مثل الزنجبيل، القرفة، أو البابونج ولكن بدون إضافة السكر .
ونأتي للإفراط في تناول الحلويات بعد الإفطار مباشرة، مما يسبب ايضاً عسر الهضم و التلبك المعوي، الترجيع، الإمساك و أحياناً الإسهال.
و ينصح باستبدال الحلويات بسلطة الفواكه الطازجة أو المجففة بدون إضافة السكر علي أن يكون تناولها بعد الفطور ب ٢ إلي ٣ ساعات وإذا كانت هناك رغبة في تناول الحلويات، فيفضل تناول قطعة صغيرة منها بعد الأكل ب ٣ إلى ٤ ساعات.
ودائماً ما ينسي الكثير تناول القدر الكافي من الماء، فلابد من تناول من ١٠ إلى ١٢ كوباً من الماء موزعين على الفترة ما بين الفطور و السحور.
والخلاصة أنه، بإمكان الكثيرين الاستمتاع برمضان ومأكولاته الشهيرة ولكن بالاعتدال وتقليل الكميات وتقسيمها على عدة وجبات صغيرة مع مراعاة عدم الافراط في السكر و الملح والقلي والتحمير وأن نترك دائما مساحة في المعدة للهواء وأخرى للماء كما نصحنا رسولنا الكريم ( عليه الصلاة و السلام).
و بذلك يتحقق فينا قوله، صوموا تصحوا.
استشارية طب الأطفال والتغذية العلاجية