الأرض
الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 10:35 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

«سبوبة» الصيف.. كلام في البطيخ

عشنا كثيراً مواقف حية تفسر المثل الشعبى القائل: «الفاضى يعمل قاضى»، وهو ما تسبب فى تفريخ آلاف من وظائف «قضاة الفهلوة»، الذين يبرعون فى حبك الجريمة، وتجهيز مرتكبيها، ثم إصدار الأحكام بشأنها، وللأسف لديهم جمهور يصدقهم، ويؤمن بكل ما يصدر عنهم.

والشاهد على صحة ذاك المثل حالياً، ما أشيع كذباً وافتراء وجهلاً حول الخوخ والبطيخ المصريين، أجمل فاكهة الصيف، وأسرعها فساداً فى الحرارة الشديدة، خاصة مع سوء تداولها بعد الحصاد، حيث عظّم بعض المغرضين حالات سلبية لا تبرح أصابع الكف الواحدة، ليصورها ويذيعها على أنها ظاهرة عامة، وأنها المسئولة عن حالات مغص معوى ملأت مستشفيات مصر، وهو محض كذب وافتراء.

ومع توافر صفحات التواصل الاجتماعى، وسهولة إنشائها، ورخص تكاليفها، تحول المتسببون من مجرد «صبيان» لحلقات «كركرة الجوزة البلدى» إلى «نقباء» زراعة، وفلاحة، وإنتاج زراعى، ومزارعين، وصيد، وصيادين، وغيرها من المسميات التى تتشكل حسب الإتاحة، ويزعم أصحابها أنهم متحدثون رسميون عن أبناء طبقة منتجى الغذاء فى مصر، الذين وصفتهم معظم الأعراف الدولية بأنهم «صناع الحياة» الحقيقيون.

وحدث خلال الأيام القليلة الماضية أن خرج أحد المتسببين على الناس من خلال صفحة متلونة بكل ألوان الطيف السياسى والاجتماعى، وأصدر بياناً باسم «نقيب الفلاحين»، يحذر المصريين من تناول الخوخ والبطيخ، بمبرر أنهما ملوثان بمتبقيات مبيدات، وأنهما تسببا فى انتشار حالات التسمم للأطفال، وحتى الكبار.

الثابت أن مصر لا يوجد فيها «نقيب للفلاحين»، كما أن النقابة العامة للفلاحين منحلة منذ أكثر من خمسة أعوام، بسبب مخالفات مالية وإدارية، وقانون النقابة العامة الموحدة للفلاحين لا يزال فى أدراج لجان البرلمان، طوال دورته الماضية، وحتى خلال الدورة الحالية.

وما يقال فى شأن الخوخ والبطيخ المصريين ليس جديداً، خاصة فى مثل هذا التوقيت سنوياً، أى صيفاً، وعند دخول موسم حصاد الفاكهة المصرية، وبدء موسم البيع والرواج والتصدير، وذلك بهدف إفساد فرحة المزارعين، بضربة قاصمة لظهورهم، وبالتالى تدمير جزء مهم من الاقتصاد المصرى، المرتبط بالزراعة، ومؤكد أنهم يعرفون أن إنتاج مصر من البطيخ يبلغ هذا العام نحو مليون طن، أى أكثر من 125 مليون بطيخة، رغم التغيرات المناخية التى قضت على نصف المحصول.

ليس هناك ما يمنع نشر تحذيرات ضد بعض التجاوزات غير المسئولة لبعض المزارعين، الذين يتجاهلون أو يجهلون توصيات وزارة الزراعة بخصوص المبيدات، شرط مراعاة الأبجديات العلمية، وامتلاك حقائق يقرها العلم، ليدلى بها «أهل الاختصاص»، بدلاً من تبنى مواقع ووسائل إعلام غير مسئولة هؤلاء المتسببين، دون فحص ما يروجونه دون سند علمى.

وللعلم، فإن البطيخ ثمرة مائية كلياً، وهى عبارة عن نسيج إسفنجى متشبع بالماء، ولا تحتوى داخلها على فجوة عصارية، مثل الموجودة فى الشمام والكنتالوب، وبالتالى فإن أسلوب تداولها ما بعد الحصاد، وطرحها على عربات البائعين الجائلين، يعرّضها لفقد الكثير من محتواها الرطوبى، فتزداد فيها تركيزات الكيماويات السمادية على المعدل الطبيعى الآمن، كما قد تساهم الحرارة المرتفعة فى تخمر سكرياتها أيضاً.

أما الخوخ، فيحتوى على الألياف غير القابلة للذوبان، والسكريات بمعدلات مرتفعة، ومنها: السوربيتول، وهو سكر يتسبب فى إطلاق الغازات نتيجة التخمر، وبالتالى الشعور بالانتفاخ، وهو من الفاكهة الصيفية سريعة التلف بسبب ارتفاع نسبة المياه فى تكوينها، وزيادة محتواها السكرى أيضاً، إضافة إلى طراوة الأنسجة، ما يجعل فترة احتفاظ الثمار بصلاحيتها بعد الجمع (shelf life) قصيرة جداً، مقارنة بباقى الفاكهة الصيفية.

يبقى أن نطالب بإنشاء كشك تحاليل بدائية من تلك التى تتوافر حالياً فى ألمانيا، على بوابات الأسواق المركزية للخضار والفاكهة، لسحب عينات من الشحنات الوافدة إليها، ثم تحليلها فى غضون ساعة، بحيث لا يُسمح ببيع الشحنة إلا بعد ظهور نتيجة تحليلها، وبالتالى «نضرب المربوط، فيخشى السائب»، حفاظاً على صحة المستهلك المصرى، مثل المستهلك الأجنبى الذى يحظى بصادراتنا الزراعية والغذائية.