الأرض
الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 10:40 صـ 20 جمادى أول 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

رئيس المجموعة الدولية iFT: المنتجون يستحقون الرعاية .. والحلول  ”ليست في الصندوق”

د. مجدي حسن لموقع ”الأرض”: صناعة الدواجن في خطر .. ولا جدوى للمسكنات

د. محدي حسن في حوار مع محمود البرغوثي
د. محدي حسن في حوار مع محمود البرغوثي

ـ صناعة الدواجن المصرية أكبر من أي قوة احتكارية

ـ مطلوب توعوية لتبرئة الدواجن والبيض من حملات صحية مغرضة لصالح المستوردين

ـ نُدرة خامات عالمية وراء ارتفاع أسعار مدخلات إنتاج الدواجن وبيض المائدة

ـ أهل صناعة الدواجن الأكثر قدرة على تصحيح أوضاعها

ـ مطلوب الحسم في تنفيذ التوجيهات الرئاسية بحماية صناعة الدواجن

ـ البيض والدواجن البروتين الأقل كلفة والأعلى قيمة غذائية والأكثر أمنا على صحة الإنسان

ـ البيضة .. 60 جرام بروتين سائل وأقل سعرا من أكياس الأغذية المعبأة الرديئة


أطلقت الحرب الروسية الأوكرانية الرصاصة القاتلة على جسد صناعة الدواجن في مصر، حتى ترنحت وقاربت نهايتها الحتمية، في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج على سعر البيع من المزرعة، بما لا يقل عن عشرة جنيهات لطبق البيض، و5 جنيهات لكيلو الدواجن اللاحمة الحية.

هذه الأزمة الطاحنة لم تفاجئ المعنيين بملف إنتاج الغذاء في مصر، حيث دخلت صناعة الدواجن تحديدا النفق المظلم منذ نحو عامين، بسبب غياب جهة محددة تضطلع بتطبيق نظام المعادلة السعرية، وتنفيذ توجيهات رئاسية سابقة بتشكيل لجنة عليا لبحث مشاكل الصناعة، وتزليل عقباتها، مع إصرار وزارة التموين والتجارة الداخلية على استيراد مجزءات الدواجن من الخارج بالعملة الصعبة، بدلا من تأمين احتياجاتها من الشركات المصرية.

"الأرض" حاورت أحد أكبر خبراء صناعة الدواجن في مصر والشرق الأوسط، وهو البيطري الخبير الدكتور مجدي حسن رئيس مجلس إدارة المجموعة الدولية للتبادل التجاري الحر iFT، في حوار استهدف محاولة للوقوف على الحلول الواقعية للأزمة، وتصوّر آليات التنفيذ الواقعية (العملية وليست التنظيرية)، إلى التفاصيل:

* كثر الحديث عن المعنيين بهذه الصناعة، فمن هم بالتحديد؟

- المعنيون بهذه الصناعة في المقام الأول، هم المنتجون أو المربون في كفّة ميزان، والمستهلكون في الكفة الثانية، وما بينهما عدة جهات حكومية وظيفتها تنظيم العلاقة المتوازنة بين الكفتين، وهدفها ضبط المنظومة لضمان إنتاج لحوم دواجن وبيض مائدة للمستهلك بوفرة على مدار العام، وبسعر رحيم بالمستهلك، ومربح للمنتجين والمربين.

حلول عملية لمشاكل صناعة الدواجن

- وما الحل إذن في الزيادة المضطردة يوميا لأسعار خامات الأعلاف؟

* ضبابية سوق خامات الأعلاف غموض مستقبلها، وعدم إنتاجها زراعيا في مصر بالقدر الكافي، تسببت في ربكة شديدة لكل المنتجين على اختلاف مستوياتهم، لتظل السوق مستندة على صغار المربين والمنتجين الريفيين (وهم أغلبية تمثل نحو 70٪ من حجم الإنتاج)، سواء في التسمين، أو البيض البلدي، ولا حلول لهذه المشكلة سوى مبادرة حكومية لنشر زراعة خامات الأعلاف، خاصة: الذرة الصفراء، فول الصويا، وعباد الشمس، مع دخول كيانات عملاقة، مثل تحالف كل بنوك مصر لتمويل مشروع تجفيف الذرة في الوجه البحري، وتأسيس صوامع معدنية عملاقة في مواقع الإنتاج الكثيف، وذلك لتطوير كفاءة الخزن الاستراتيجي، وتقليل الفاقد في عمليات تداول ما بعد الحصاد.

لحوم الدواجن الأقل كلفة والأكثر صحة لكافحة شرائح المستهلكين

* وما الحلول العملية لأزمة الصناعة ككل، من وجهة نظرك؟

- كثير من الحلول قد طُرِحت سابقا، "لكنها مجرد مسكنات سرعان ما تظهر عند الأزمات، ثم تختفي دون الإمساك بها وبقواعدها التي يمكن أن تُشكِّل مرجعيات علمية وفنية خبيرة لهذه الصناعة والمستثمرين فيها".

شركات مساهمة لتسويق منتجات الدواجن

* تأسيس شركات مساهمة مصرية لتسويق الدواجن والبيض .. أليس حلا، خاصة أن التجار يصرون على هامش ربح قدره 20 جنيها في طبق البيض، و6 جنيهات لكيلو الدواجن الحية فوق سعر المزرعة؟

- هذا الاقتراح يمثل جزءا من الحل، وتم طرحه عدة مرات في اجتماعات رسمية برعاية وزارة الزراعة، وفي رحابها، والمنتجون يجب أن يتحملوا المسؤولية الكبرى والمساهمة العظمى في رأسمال هذه الشركة، إضافة إلى كبار التجار الذين لا غِنى عنهم في منظومة تسويق الدواجن وبيض المائدة.

* ولماذا لم يتم تفعيل هذا الاقتراح؟

- هذا السؤال نسأله لأنفسنا كثيرا، ويسألنا به الصحافيون والإعلاميون والمسؤولون الحكوميون والجهات السيادية المنوط بها حفظ الأمن الغذائي في مصر، "وللأسف، نكتشف أنها حلول نظرية تبرز إلى السطح كمسكنات يتم التلويح بها أثناء الأزمات فقط".

* هناك مفاهيم مغلوطة وحقائق غائبة عن المستهلك، حيث لايزال المنتجون متهمون بالجشع، رغم خسائرهم الفادحة المستمرة نحو عامين، فمن المنوط به مسؤولية الدفاع عن المربي؟

- المربون والمنتجون أنفسهم هم أصحاب المصلحة المباشرة، وهم الموجوعون من هذه الخسائر، وقد اقترحنا في iFT، سابقا، تأسيس كيان أو صندوق يتكفل بالدفاع عن صناعة الدواجن، وذلك بالتوعية الصحفية والإعلامية، سواء في المواقع الإلكترونية الصحفية، أو الصحف الورقية، أو برامج التلفزيون الهادفة، أو وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لم يستجب أي من المعنيين بهذه المبادرة، "وفي رأيي، إن هذه الصناعة القومية المهمة تتعرض للكثير من الحملات السلبية المغرضة، لصالح الاستيراد، ونحن جميعا كأصحاب صناعة معنيون بإجلاء صورتها الحقيقية".

حملات سلبية مغرضة ضد الدواجن والبيض

* وما نوع الحملات السلبية من وجهة نظرك كخبير بمشاكل هذه الصناعة؟

- المستهلك لديه هواجس صحية تجاه كل ما يتعلق بمأكله ومشربه، وهناك من يلجأ عامدا لتشويه لحوم الدواجن وبيض المائدة، على الرغم من أنهما يمثلان البروتين الأقل كلفة، والأكثر أمانا على صحة الإنسان في كافة مراحله العمرية، وذلك لخلوهما من الدهون الضارة ومسببات النقرس، واحتوائهما على الأحماض الأمينية الأكثر احتياجا للجسم، والأسرع تمثيلا بلا أضرار على صحة الكبد، قياسا باللحوم الحمراء، التي يمنعها الأطباء عن مرضى الكبد، ولا تصبح مفضلة في برامج غذاء كبار السن.

* وما الدور الإيجابي الذي يمكن أن تؤديه مبادرة صندوق التوعية لصالح الإنتاج الداجني؟

- لكل روشتة كُلفة مالية، والترويج والنشر عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، أصبح مكلفا، والمستهلك مرتبط ارتباطا وثيقا بالموبايل الذي يصله بكل القنوات المعلوماتية، وغياب المعلومة الصحية عن الدواجن والبيض، أو تضاؤلها بين السيل الجارف من المعلومات المضللة، يجعل هذه الصناعة مظلومة، ويجعل المستهلك محروما من فوائدها الصحية والاقتصادية الحقيقية، حتى في ظل أسعارها التي توصف حاليا بأنها "مرتفعة".

* هل ترى مبررا لهذه الأسعار المشتعلة للدواجن والبيض؟

- الغريب أننا لم نلاحظ أي حملات إثارة ضد ارتفاع أسعار معظم احتياجاتنا الغذائية والعلاجية، على الرغم من أن المستهلك ليس بمنأى عن القضايا العالمية المتعلقة بإنتاج الغذاء والدواء، وهو يعلم أن أسعار مدخلات الإنتاج قفزت قفزات غير محتملة، بسبب ارتفاع كلفة الشحن، وتراجع حجم الإمدادات من الدول الأكبر إنتاجية، لمخاوف تتعلق باحتمالات شح المواد في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

ارتفعت أسعار خامات الأعلاف بنسبة تصل إلى 40%، كما ارتفعت أسعار الأدوية البيطرية عموما بنسبة تصل إلى 18%، وهذه الخامات كما تعلمون لا نزرعها في مصر إلا بكميات لا تفي باحتياجات صناعة الدواجن، ومنها: (الذرة الصفراء، وفول الصويا، ومعظم النباتات الزيتية مثل عباد الشمس، والمركزات الأخرى وإضافات الأعلاف.

ظلم المنتجين

* ما رأيك في اتهام المنتجين بالجشع؟

- أين كان أصحاب هذا الاتهام حين كان طبق البيض يباع من المزرعة قبل نحو 8 أشهر بسعر 23 جنيها، وكانت تكلفة إنتاجه 35 جنيها؟

كان سعر البيع من المزرعة، سواء البيض أو الدواجن، يتصاعد تماشيا مع قفزات أسعار مدخلات الإنتاج، وكانت الخسارة مستمرة بمعدلاتها المخيفة، ليستمر مُنتِج البيض في فقد ما بين 10 و15 جنيها من رأس ماله مقابل كل طبق ينتجه، وفي التسمين لم تقل الخسارة عن 5 جنيهات للكيلو الحي منذ نحو عامين، على الرغم من وصولهما إلى المستهلك بسعر يجسد معضلة اقتصادية، حيث يخسر المنتجون ويعاني المستهلكون، بينما تربح الحلقات الوسيطة لتعددها، وعدم وجود منظومة تراقب آلياتها أيضا.
وهنا يجب أن أسجل بصراحة، أن المنتجين في كافة مجالات الإنتاج، سواء زراعي، غذائي، أم صناعي، يستحقون الرعاية، سواء من التاجر، أو من المستهلك، وحتى من الدولة، ممثلة في كافة الوزارات والهيئات المعنية بالرعاية، كل فيما يخصه.

القيمة الاقتصادية والصحية للبيض

بيض المائدة مفيد لصحة الإنسان في جميع الأعمار

* لماذا تثار الضجة عادة حول أسعار الدواجن والبيض، رغم ارتفاع أسعار كل الاحتياجات البشرية؟

- البيض سلعة غذائية بروتينية رئيسية، ووزن طبق البيض بلغ نحو 1.8 كجم، ووزن القشرة في الطبق كله، لا يزيد على 150 جراما، أي أن صافي وزن طبق البيض القياسي يبلغ نحو 1.650 كجم، وحتى لو وصل إلى المستهلك بسعر 65 جنيها، فمعنى ذلك أن سعر البيضة للمستهلك سيكون نحو 2.16 جنيه، أي أن 60 جراما من البروتين السائل اللدن سهل الهضم، أقل بكثير من سعر كيس "المقرمشات" والأغذية الضارة المعبأة في أكياس بوزن 150 جراما فقط، "ومع ذلك، نحن نجتهد لخفض تكلفة الإنتاج، ليتراجع سعر البيع للمستهلك إلى الحد المُرْضي".

* وهل التاجروالسمسار بمنأى عن الاتهام؟

- السمسار موجود في سوق التسمين فقط، وفي مجال إنتاج البيض يوجد التاجر، وهو يمثل حلقة وصل وسيطة بين المنتجين والمستهلكين، وجَلْدهم إعلاميا يدفعهم للخوف على أموالهم، فيحجمون عن الشراء أحيانا، وبالتالي يتراكم البيض في مزارع إنتاجه، وهو سلعة لا تُخزَّن أكثر من 5 أيام في ظروف الأجواء العادية، فيضطر المُنتِج للبيع بالخسارة، وذلك لتوفير سيولة تعينه على شراء الأعلاف وسداد الرواتب وباقي مستحقات مدخلات الإنتاج، لكن لا غضاضة في أن نؤكد على وجود حلقات وسيطة كثيرة تتسبب في اتساع الفجوة السعرية الفاصلة بين سعر المزرعة وسعر البيع النهائي للمستهلك.

شركات مساهمة لتسويق الإنتاج الداجني

* هذا الحديث يفرض العودة للسؤال عن أهمية تأسيس شركات مساهمة لتسويق الدواجن وبيض المائدة في كل مناطق مصر، أليست أحد الحلول؟

- هذا الاقتراح أيضا يمثل جزءا من حل مشاكل صناعة الدواجن، لكنه يظل حلا نظريا، يصعب الإمساك بآليات تنفيذه، كونه يحتاج إلى أموال كثيرة، لتأسيس كيانات عملاقة تضع المربي في خانة المُنتِج فقط، بمعنى أن تخفف عن عاتقه الأحمال المتعلقة بتوفير الكتكوت، والأعلاف، والرعاية، والخدمات البيطرية، ثم التسويق بأسلوب يضمن تحقيق الربحية على مدار العام، وهذا ما يحدث في الخارج.

حلول جديدة لمشاكل إنتاج البيض

* هناك من أهل الصناعة من يضع حلولا سريعة لوقف خسائر منتجي البيض، منها: التوقف المؤقت عن الإنتاج، أو تأسيس مصانع لتجفيف البيض، بمعنى تغيير شكل البيضة؟

- التوقف المؤقت عن الإنتاج يُعرَف في مجال مزارع البياض باسم "القَلْش"، وهو يعني منع العلف تماما عن الدواجن البيَّاضة لمدة شهرين، فتتوقف عن وضع البيض، ويسقط ريشها، ويموت منها ما لم يتحمل التجويع القسري، وهذا حل يدخل في باب المسكنات، ولا يمكن فرضه على المنتجين، وهو أمر يضر بالأمن الغذائي المصري، "وأنا شخصيا لا أحبزه، ولا أدعو له".

* وبخصوص تغيير شكل البيضة (التجفيف)؟

- بسترة البيض السائل وتعبئته مثل الحليب، أو تجفيفه في صورة حبيبات، وتعبئته مثل أي مسحوق غذائي، لا يغير من القيمة الغذائية للبيض، لكنه شكل من أشكال إطالة أمد الصلاحية بالتخزين، والمستهلك المصري يحتاج إلى توعية مكثفة على فترات طويلة، "كما يحتاج الأمر إلى حملات إعلانية مكثفة، مثل التي سبقت أو واكبت طرح الحليب المعبأ"، وهو أيضا أحد الحلول، لكنها ليست حلولا عاجلة.

تلخيص لمشاكل صناعة الدواجن وحلولها

* طال الحديث، عن المشاكل والحلول، فهل من تلخيص لهما؟

- لا أحد في مجال هذه الصناعة يدعي القدرة على تلخيص جميع الحلول لمشاكلها المحددة في: ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، عشوائية الصناعة فيما يتعلق بأنظمة التربية والرعاية والتسويق، وعدم وضع الخريطة الوبائية الواقعية لجميع مناطق مصر.

وننوه هنا إلى أن مشاكل التسمين تتشابه وتتماس مع مشاكل إنتاج البيض، "ولا شك أن المربين والمنتجين هم من يتحمل مسؤولية هذه العشوائية، حيث لم تتفق إرادتهم أبدا على آراء أو رؤى محددة للحلول الواقعية".

احتكار تربية الدواجن وإنتاج البيض

* ما يحدث في مجال صناعة الدواجن، يتسبب في خروج الكثير من المربين والمنتجين، هل هي حيَل محتكرين لضرب الصغار والتهام حصتهم؟

- لا أظن أن توجد جهة أو كيان واحد في مصر يستطيع احتكار صناعة غذاء بعينه، وصناعة الدواجن البالغ حجمها حاليا أكثر من 100 مليار جنيه، أكبر وأعظم من أي قدرة احتكارية، "حتى لو اشتهرت شركات معينة بقدرات إنتاجية كبيرة في مجالات: التفريخ، التسمين، وإنتاج البيض، يظل احتكار هذه الصناعة من المستحيلات".

موضوعات متعلقة