معلومات الوزراء: الزراعة الذكية الحل الأنسب للتغلب أو تخفيف حدة تهديدات الأمن الغذائي
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً تناول خلاله موضوع "الزراعة الذكية"، موضحاً في بدايته أنه مع تصاعُد خطر دخول العالم في أزمة غذاء غير مسبوقة، مدفوعة باختلال التوازن بين النمو السكاني العالمي من جهة، والإنتاج الزراعي المُهدَّد بتغيرات مناخية وأحداث طارئة تضغط على سلاسل الإمداد وتكاليف إنتاج واستيراد الغذاء من جهة أخرى، كان من الحتمي أن يلجأ العالم إلى تطويع ما يمتلكه من تقنيات حديثة؛ لضمان الخروج الآمن من أزمة غذاء حادة تلوح في الأفق، مضيفاً أننا أصبحنا اليوم أمام العديد من المبادرات التقنية الزراعية التي عرفت بالزراعة الذكية، وتستهدف تفادي أزمات الغذاء الحادة بجانب التأقلم مع تغير المناخ وندرة الموارد الطبيعية لا سيما المياه.
وذكر مركز المعلومات أن بعض الدراسات أشارت إلى أن مصطلح الزراعة الذكية ظهر منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعني استخدام وتطويع التكنولوجيا الرقمية وأجهزة الاستشعار عن بعد في إدارة النظم الزراعية، وفي المساعدة على اتخاذ القرارات الزراعية، حيث تُعرِّف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" الزراعة الذكية بأنها اتباع نظم زراعية مستدامة ونظيفة تدعم بصورة فعالة الأمن الغذائي وتكفله في ظلّ تغير المناخ، بما يضمن ترشيد استخدام الموارد الطبيعية، ومن أبرز سماتها: الاعتماد على نظم إدارة وتحليل المعلومات لاتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة بأقل التكاليف، وإدخال الذكاء الاصطناعي في العمليات الزراعية، كما أوضحت "الفاو" أن الزراعة الذكية تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، هي: زيادة الإنتاج والإنتاجية الزراعية على نحو مستدام، ورفع قدرة النظم الزراعية على التكيف والصمود أمام تغير المناخ، وخفض الانبعاثات الحرارية قدر الإمكان.
وأضاف المركز في تحليله أنه بناء على هذا التعريف والأهداف الثلاثة، تعتبر الزراعة الذكية الحل الأنسب للتغلب أو تخفيف حدة تهديدات الأمن الغذائي، والتي تتمثل في:
- تراجع القيمة المضافة لقطاع الزراعة: بعد أن أشارت إحصائيات البنك الدولي إلى تراجع القيمة المضافة لقطاع الزراعة لما نسبته 4.3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2021 مقابل 10.3% في نهاية ستينيات القرن الماضي.
- ارتفاع معدل الجوع وانعدام الأمن الغذائي: حيث ارتفع عدد الجوعى في جميع أنحاء العالم من 282 مليونًا عام 2022 إلى 345 مليونًا خلال الأشهر الأولى فقط من عام 2023، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمية، وذلك رغم عدم تبقي إلا بضع سنوات فقط على موعد تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة 2030، والتي تتضمن القضاء على الجوع والفقر، مع الإشارة أنه خلال عام 2022، واجه أكثر من ربع مليار شخص (حوالي 258 مليون فرد) في 58 دولة وإقليمًا الجوع الحاد مع وجود سبعة بلدان على شفا مجاعات، وفقًا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2023، وهو أعلى رقم خلال السنوات السبع السابقة.
- ارتفاع كلفة الغذاء: حيث توقعت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في تقريرها الصادر في نوفمبر 2022 حول توقعات سوق الغذاء، ارتفاع الفاتورة العالمية للواردات الغذائية لما يقارب تريليوني دولار في عام 2022، وهو أعلى مما كان متوقعًا في السابق، مع توقع وصول فاتورة استيراد المدخلات الزراعية العالمية إلى إجمالي 424 مليار دولار في عام 2022، بارتفاع نسبته 48% عن مستويات عام 2021، وارتفاع بنسبة 112% عن مستويات عام 2020.
- تراجع الأمن البيئي في ظل التغير المناخي: بعد أن تسبب الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري في ارتفاع مستوى تركيزات الغازات الدفيئة لمستويات قياسية، حيث وصل تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون لما يقارب 50% مقارنة بمستويات تركيزه ما قبل الثورة الصناعية؛ مما رفع درجة حرارة الأرض بنحو 1,1 درجة مئوية عن متوسط مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كما أشارت المنظمة أيضًا إلى مساهمة الزراعة في حصة كبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال انبعاث غاز أكسيد النيتروز الناتج عن الأسمدة الزراعية، وقد أدى إلى رفع حرارة الغلاف الجوي بمعدل يزيد 265 مرة عمَّا يسببه غاز ثاني أكسيد الكربون. ولا شك أن ارتفاع درجات الحرارة ما هو إلا بداية لموجات من التصحر والجفاف، وقد ظهرت ملامحه في منطقة القرن الإفريقي التي تعاني للموسم السادس على التوالي من الجفاف.
- ارتفاع حجم سكان العالم: حيث ذكر التحليل أن هناك تزايد في أعداد سكان العالم لنحو 7.8 مليارات نسمة عام 2021، مقابل 6.2 مليارات نسمة عام 2001، مع توقع ارتفاع هذا التعداد بنسبة الثلث بحلول العام ٢٠٥٠، وذلك بالتوازي مع تراجع مساحة الأراضي الزراعية بنحو 1% من إجمالي مساحة الأراضي خلال العقدين الماضيين. وتقدِّر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) استمرار الاتجاهات الحالية في نمو الدخل والاستهلاك، بالشكل الذي ينبغي معه نمو الإنتاج الزراعي بنسبة 60% لتلبية الطلبات المتزايدة المتوقعة على الأغذية والأعلاف.
وأفاد التحليل أنه في ظل تعدد مهددات الأمن الغذائي وتراجع القدرة العالمية على توفير غذاء صحي مستدام للجميع في كل الأوقات والأماكن، كان لابد أن يشهد قطاع الزراعة تحولًا كبيرًا، ومن هنا كانت الزراعة الذكية حلًّا مناسبًا لتحقيق ذلك من خلال استطاعتها القيام بالآتي:
- تحسين الإنتاجية الزراعية: فالبيانات الدقيقة والشاملة التي تجمعها تقنيات الذكاء الاصطناعي حول انتشار المزارع أو نوعية المحاصيل ومتابعة تطورها وإعطاء إنذار مبكر عن المشكلات التي قد تعترض نموها، من الممكن أن تُسهِم في تجاوز العقبات والمشكلات الطارئة في الوقت المناسب، وكذلك عبر تطويع تكنولوجيا "إنترنت الأشياء" (IoT) يتم تشغيل المعدات الزراعية كأجهزة الري ورش المبيدات وغيرها، والتحكم بها وإرسال واستقبال البيانات منها عن طريق الإنترنت؛ مما سينعكس آثاره على تحسين كمية وجودة المحاصيل وبالتالي رفع الإنتاجية الزراعية.
- تخفيض التكاليف الزراعية: إذ توفر قاعدة من المعلومات حول النظم الزراعية الأقل استهلاكًا للموارد المالية والطبيعية، وكذلك أفضل أسواق التوزيع بما يخفض من تكلفة المستلزمات الزراعية وتعظيم الأرباح للمزارعين.
- إتاحة الفرص للمشاركة والتعاون الإقليمي: وذلك على مستوى توزيع سلاسل الإنتاج الزراعي وتعزيز فرص الصناعات الزراعية بين الدول المتجاورة.
- تحسين إدارة الموارد المائية: وذلك عبر تقنيات الري الحديثة الموفرة لاستهلاك المياه.
وقد أبرز التحليل عدد من نماذج التطبيقات الفعلية للزراعة الذكية ومنها؛ المزارع الروبوتية، حيث نجحت بعض الشركات في ابتكار روبوتات زراعية تحمل برامج للتعرف على الآفات أو الأمراض التي تصيب المحاصيل والعمل على معالجتها؛ بحيث تتمكن تلك الروبوتات من احتجاز مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومراقبتها في وقت قصير وبدقة فائقة، وكذلك أشار التحليل إلى الزراعة بدون تربة والزراعات العمودية، للتغلب على أزمات الفقر والعوز المائي، حيث تمتلك الزراعة الذكية آليات الترشيد عبر توفير نظم الزراعة بدون تربة داخل صوامع أو أنابيب بلاستيكية مكيفة، تعمل بنظام المغلق الذي يتم التحكم به عن بُعد للري والتهوية والتبريد.