يا ابو قلب جامد .. عاوز سعر البصل كم؟
جامد القلب فاقد الرحمة، صاحب العقل المرتج، والصدر المغلي بالحقد، الذي أقنع صانع القرار في مصر برفع سعر السولار والبنزين، والبوتوجاز "بالذات"، يبدو أنه سحب الغطاء على وجهه، وخلد للنوم، قبل أن يقدم باقي الخطة التي تضمن الرخاء، وتحقق رضا الشعب على الحكومة والرئيس.
جامد القلب، عديم الرحمة، فاقد الرؤية الذي قدم هذا الاقتراح وهو مغمّض العينين، لم يكن يخطر على باله أبدا، أن جميع دول العالم تدعم الإنتاج الغذائي (زراعة نباتية، وإنتاج داجني، وماشية، واستزراع سمكي)، وجميعها ينهض على مصادر الطاقة (سولار أو كهرباء، أو بوتاجاز)، لكنه لم يضع نصب عينيه سوى إرضاء البنك الدولي، وتنفيذ اشتراطات صندوق النقد، كي يضمن تعويض الخزينة العامة للدولة بقرض إضافي، ينيخ ظهر البلاد والعباد، ويرفع مؤشر الغليان في مواقع إنتاج السلع المتاحة للمصريين (بيض وفراخ وخضار وفواكه ولحمة).
الخبراء الذين استضافتهم برامج التوك شو، فور تطبيق القرارات الاقتصادية الصعبة، لم يكونوا ممن يشعرون بالقيم ذات الصفرين، فما بالك إذا كانت الزيادة التي تمت، كانت بالقرش والجنيه؟
مواقع الإنتاج الغذائي في مصر، تتلقى يوميا، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ضربات موجعة بارتفاعات متتالية في أسعار مدخلات إنتاجها (بذور، شتلات، أعلاف، أدوية، سولار أو كهرباء، أسمدة، مبيدات، وأجور عمالة)، مع ثبات أسعار بيعها من المزرعة أو "الغيط"، لتكون الزراعة والتربية، نشاطا خاسرا على جميع مستوياته، فكيف إذن تصبح تصريحات الحكومة نزيهة وصادقة، بخصوص مراعاة محدودي الدخل؟
هل هناك في مصر حاليا، من هم أقل دخلا من الفلاحين أو صغار المزارعين؟
إذا كان كيلو الخضار (طماطم، خيار، كوسة، فلفل) لم يكن يقل عن 6 جنيهات للمستهلك، في ظل الأسعار السابقة للمحروقات التي كانت مرتفعة أصلا، قبل الزيادة الأخيرة، فكم سيصل السعر للمواطن إذا اضطر الفلاح أو المزارع لرفع بيع محصوله من الغيط"، وهو أمر غير مضمون لأن المزارع هو المنتِج الوحيد الذي لا يتحكم في سعر إنتاجه؟
"جامد القلب" الذي اقترح رفع السولار والبوتاجاز بالذات في هذا التوقيت، أخذ في الحسبان دخول البرد رسميا، ما يعني ارتفاع استهلاك السولار والبوتاحاز كمصادر وحيدة للطاقة في مزارع الإنتاج الداجني والحيواني والسمكي، ما يعني تحميل تكاليف الإنتاج زيادات جديدة، وهؤلاء قادرون على تحديد أسعار منتجاتهم للمستهلك، لارتباطهم ببورصة، ما يعني مزيدا من الغلاء، والنتيجة احتقان مجتمعي يترجم إلى مزيد من الكآبة والحُنق.
برامج التوك شو بلا استثناء، تتعمد حاليا استضافة من يحملون لقب "خبير"، أو "رجل أعمال"، أو رئيس اتحاد، أو رئيس بنك، أو نائب برلمان، ومؤشر هؤلاء جميعا يبدأ الإحساس أو القراءة عند الصفر الثالث، ولم يخطر في بال فِرٓق الإعداد أو مقدمي البرامج، استضافة فلاح أو مزارع، أو متحدث باسم هذه الفئة لقراءة هموم أبنائها، ونقل مخاوفهم وتعزيتهم في أحوالهم التي ستتلقى مزيدا من الانتكاس، بفعل الخسائر المتوقعة، في ظل عدم وجود بورصة سلعية للحاصلات الزراعية.
جامد القلب الذي وضع فكرة رفع سعر البنزين 80، استكثر على أصحاب السيارة الفيات 128، وأخواتها وبنات عماتها الأقل شأنا وسعرا، أن يستمروا ضمن الفئة الصاعدة من درجة التوكتوك إلى قسم "الملاكي"، ولو بسيارة ثمنها لا يزيد على حاصل اشتراك سنتين في جمعية من فئة 500 جنيه في الشهر، اشترك فيها زوجان كادحان لامتلاك "عربية" تنقذهما من "شعبطة" الأتوبيس، أو هوان توكتوك الحارة.
فاقد الحس عديم الرحمة، ظن أن الشق الثاني من خطته الجهنمية، سوف يلزم المحافظين ورجال المرور على ضبط "أجرة الميكروباص" أو سعر نقل مستلزمات الحياة، سواء أغذية أو مستلزمات إنتاج صناعية وبنائية وزراعية، ظنا منه أن المحافظين سيتركون مكاتبهم ويتحولون إلى "كومسارية" ميكروباص أو نقل على الطرق وفي المواقف.
قرص الطعمية أصبح بـ 50 قرشا، بعد أن انكمش حجمه بنسبة 50 % أيضا قبل أكثر من شهرين، وساندويتش الفول قفز إلى 2 جنيه، والبطاطس إلى 4 جنيهات، بمبرر منطقي يتمثل في ارتفاع أسعار الفول والزيت وأجر العامل، وفاتورة كهرباء المطاعم، وأجور النقل، إضافة إلى إتاوات موظفي المحليات، ومن الطبيعي ألا يخسر صاحب "عربية الفول" أو المطعم.
المخطط الإجرامي لتحجيم الدعم عن السلع الأساسية في حياة المصريين، بحجة "إصلاحات اقتصادية، وحقن سيولة الخزينة العامة للدولة، وخفض عجز الموازنة"، وراءه نية خبيثة لرفع فاتورة معيشة المصريين لخلق مزيد من الاحتقان المجتمعي ضد الحكومة والرئيس، وفي ذلك نتيجة لم يكن يحلم بها أي عدو للدولة، مهما تفتق عقله الذكي في حياكة الخطط والمؤامرات.
الحلول متاحة وفي الإمكان، إذا أراد صانع القرار مقابلة المخطط الخبيث ببرنامج طموح يمتص أي احتقان مجتمعي، ومنها:
ـ إصدار قرار سريع بإنشاء بروصة سلعية للحاصلات الزراعية، يختص الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي بجمعياته الرئيسية الثلاث، بوضع أسسها، وذلك لضمان تسويق عرق الفلاح بسعر عادل يحقق الربحية العادلة، التي تعينه على الاستمرار في الزراعة.
ـ إعفاء سيارات نقل السماد من المصانع إلى الجمعيات الزراعية، من "رسوم بوابات" الطرق الصحراوية، حتى لا تضاف على سعر الشيكارة للفلاح.
ـ تثبيت سعر الغاز لمصانع السماد الآزوتي، التي تمد الجمعيات التعاونية بالسماد الآزوتي المدعم، حيث إن تحريك السعر، يؤدي حتما إلى رفع سعر طن السماد، وإلا تحقيق الخسائر لهذه المصانع الوطنية، التي تعد رصيدا لقلاع الصناعة المصرية.
ـ تحديد سعر الذرة بنوعيها (الشامية والصفراء) قبل موسم زراعتها، بما لا يقل عن 350 جنيها للأردب، وتنشيط عمل مركز الزراعات التعاقدية الذي تم إنشاؤه بقرار جمهوري، ولم يمارس عمله حتى الآن، مع تزويد الجمعيات المركزية في الدلتا بمجففات ذرة، حتى يكون الإنتاج موافقا لمواصفات الأعلاف الآمنة، الخالية من السموم الفطرية.
ـ رفع أسعار استلام القمح إلى 500 جنيه للأردب، مع شد منظومة التوريد، والصوامع والشون التقليدية، لخفض الفاقد من الأقماح المحلية، وبالتالي خفض الاستيراد وضخ قيمة هذا الخفض في سعر الأردب المحلي.
دعم سعر الحاصلات الزراعية أصبح فرض عين، بعدما عز على الحكومة دعم مدخلات الإنتاج، وفي ظل غياب الإرشاد الزراعي الذي يعين الفلاح على زيادة الإنتاجية من الفدان، بما يغطي التكاليف المرتفعة، وفي ذلك تضميد لجراح ضحايا خطة "القلب الجامد".
ـ تكليف وزارة التموين باستيراد الذرة الصفراء والصويا، لمصانع الأعلاف، إضافة إلى استيراد اللحوم الحمراء، وجميع السلع التموينية الضرورية لسد الفجوة الغذائية في مصر، مع وضع أولوية شراء الدجاج الكامل من شركات إنتاج الدواجن المصرية، من خلال اتحاد منتجي الدواجن، وذلك بدلا من الاعتماد على طرح مناقصات الاستيراد لتجار عديمي الرحمة، يتحكمون في الأسعار، وفقا لمعدل الربح الذي يوافق هواهم.
ـ استثمار جزء لا بأس به من حاصل تحريك دعم الوقود، لإعادة إحياء زراعة القطن المصري، ودعم سعر القنطار، ليس لجني خامة النسيج والغزول فقط، لكن لإعادة استخلاص الزيوت وصناعة الأعلاف من "البذرة"، وفي ذلك خفض لفاتورة استيراد زيوت الطعام (نستهلك 1.8 مليون طن زيت طعام سنويا، نستورد منها نحو 1.7 مليون طن)، وتوفير أعلاف لإعادة المشروع القومي للبتلو، الذي يسدد أيضا فجوة اللحوم الحمراء، وقوامها 250 ألف طن في العام.
ـ إصدار قرار جمهوري لتحرير حساب "تعويضات أنفلوانزا الطيور" من قبضة وزارة الزراعة، وإعادته إلى اتحاد منتجي الدواجن في مصر، وذلك لتحرير حصيلة الحساب وتطويعها لصالح تطوير قطاع الإنتاج الداجني في مصر، حيث يناط بالاتحاد حاليا، وضع خريطة وبائية للأمراض الشائعة في البيئة المصرية، وبناء مصنع أمصال ولقاحات يتبع هذا القطاع، وهو عمل كان من ضمن مسؤوليات وزارة الزراعة، ممثلة في قطاع الثروة الحيوانية وهيئة الطب البيطري، ومعهد الأمصال واللقاحات البيطرية.
ـ رفع جمارك "الحليب المجفف" المستورد لصالح شركات صناعة منتجات الألبان، وذلك لإرغامها على شراء حليب جميعات الثروة الحيوانية في مصر، والتي تضطر أحيانا لإلقاء حليب قطعانها في الترع والمصارف، أو بيعه درجة ثانية لتجار الأجبان الرومي "مصانع بئر السلم"، حيث لا تقبل عليه الشركات الكبرى بمبرر الحمل الميكروبي الذي يجعل أمد حفظ منتجاتها قصيرا، مقارنة بالمنتجات المصنعة من "حليب البودرة"، وفي الإمكان افتتاح منافذ خاصة لهذه الشركات لبيع منتجات الحليب الطبيعي، أو تخصيص عبوات مميزة للمنتجات قصيرة الأجل، والتي يقبل عليها المستهلك المصري أكثر من إقباله على نظيرتها الصناعية.
أعتقد أن هذه الأجندة المختصرة، قد تصيب جامد القلب، بالمغص الضميري، لكن ما لم يدرك كله، لا يترك كله، لـ "تحيا مصر" فعلا، فإنه لا حياة لأمة لا تنتج ما تأكله.