الأرض
الجمعة 21 فبراير 2025 مـ 03:40 صـ 23 شعبان 1446 هـ
موقع الأرض
رئيس مجلس الإدارةخالد سيفرئيس التحريرمحمود البرغوثيالمدير العاممحمد صبحي

مستقبل زراعي مستدام بالتحسين الوراثي للمحاصيل الإقتصادية

د.قاسم زكي
د.قاسم زكي

يشهد العالم تزايدًا مستمرًا في الطلب على الغذاء، مما يضع ضغوطًا متزايدة على الموارد الزراعية، خاصة في ظل التغيرات المناخية والتحديات البيئية، في الظروف الراهنة.

وبات تطوير محاصيل زراعية عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض والآفات، أكثر أهمية من أي وقت مضى، وتلعب التقنيات الحديثة في التحسين الوراثي، دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الهدف، حيث تسهم في تطوير أصناف جديدة من المحاصيل، تمتلك صفات مرغوبة، مثل المقاومة للأمراض والآفات، وتحمل الظروف البيئية القاسية، وزيادة الإنتاجية.

والتحسين الوراثي هو عملية تهدف إلى تطوير سلالات جديدة من المحاصيل، تمتلك صفات وراثية مرغوبة، مثل زيادة الإنتاجية، وتحسين الجودة، والمقاومة للأمراض والآفات، و يتم ذلك عن طريق التداول المدروس للجينات المسؤولة عن هذه الصفات النباتية.

كما يمثل التحسين الوراثي أهمية قصوى، كونه يساهم في زيادة إنتاجية المحاصيل، مما يساعد في تلبية الطلب المتزايد على الغذاء، ويجب الاهتمام بتحسين الجودة لتلك المحاصيل، عن طريق تطوير أصناف جديدة ذات جودة غذائية أعلى وقيمة تجارية أكبر.

ويساعد التحسين الوراثي في تطوير أصناف مقاومة للأمراض والآفات الشائعة، مما يقلل من الحاجة إلى المبيدات الحشرية، كذلك يمكن للتحسين الوراثي تطوير أصناف تتحمل الظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة، مما يوسع من المناطق الصالحة للزراعة.

ما طرق التحسين الوراثي لأصناف النباتات؟

بدأت عمليات التحسين الوراثي المبنية على أسس علمية دقيقة منذ قرن ونصف من الزمان، حين تمكن العلماء من اكتشاف قوانين الوراثة على يد العالم النمساوي "مندل"، تلاها ولادة علم تربية النبات، لتحدث الطرق البيوتكنولوجية الحديثة، فارقا كبيرا في السرعة والدقة.

في البدأ جرى الانتخاب التقليدي على أفضل التباينات والاختلافات الوراثية الطبيعية أو المستحدثة، عن طريق التهجينات المتباعدة بين الأصناف بعيدة القرابة أو استحداث الطفرات، حيث كان يتوفر من بين تلك التباينات تراكيب وراثية جديدة، يتواجد فيها الجينات المسؤولة عن الصفات المرغوبة.

وقتها، يتم الانتخاب بإختيار النباتات التي تحمل الصفات المرغوبة وتكاثرها للحصول على أجيال جديدة تحمل هذه الصفات.. وتلك الطريقة حققت الثورة الخضراء في مجال الزراعة على يد العالم الأمريكي "نورمان بورلاج" في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وقفزت بإنتاجية المحاصيل لخطوات بعيدة وأنقذت قرابة مليار نسمة من سكان الكوكب من جوع محدق، فاستحق "بورلاج" جائزة نوبل للسلام عام 1970م لتحقيقه هذا الإنجاز.

ولكن مع سرعة تزايد سكان الكوكب، أصبحت الزيادة في إنتاجية المحاصيل بطيئة مقارنة بزيادة السكان، مما استدعى اللجوء لوسائل أدق وأسرع لتحسين المحاصيل الاقتصادية.

وباتت طرق التقنية الحيوية الحديثة لتشكل فارقا كبيرا في التحسين الوراثي، ففي البدأ أتت تقنية زراعة الخلايا والأنسجة النباتية، التي قدمت كثيراً من الحلول للطرق التقليدية (التهجينات والطفرات)، فأثرت التباينات الوراثية وأسرعت من إنتاج أصناف جديدة فائقة الصفات، لتعقبها تقنية غاية في الدقة والسرعة، وهي ما يعرف بالهندسة الوراثية؛ فهي عملية نقل جينات محددة من كائن حي إلى آخر لإكسابه صفات جديدة، حتى لو لم تكن بينهما صلة قرابة، ونجحت خلال ربع القرن الأخير في ملئ الأسواق بأصناف ومنتجات مميزة يستحيل الحصول عليها بالطرق التقليدية مهما استغرقت من الزمن.

وهنا أيضا لم تتوقف آلة الابتكار لعلماء التحسين النباتي فدلفوا لما يعرف بتعديل الجينوم،وهي تقنية حديثة جدا تسمح بإجراء تغييرات دقيقة على المادة الوراثية للكائن الحي (الجينوم) لتحسين الصفات المرغوبة وكأنها عمليات جراحية دقيقة لنزع جينات غير مرغوبة أو إضافة أخري ذات فائدة قصوى.

فوائد التحسين الوراثي:

مع توالي السنوات، ظهرت فوائد التحسين الوراثي، فمنها تحقيق الأمن الغذائي، فيساعد التحسين الوراثي في ضمان الأمن الغذائي عن طريق زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل، بل يساهم في الحفاظ على البيئة، وذلك بتقليل استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية، مما يحمي البيئة، وذهب التحسين الوراثي إلى التكيف مع التغيرات المناخية، فهو يساعد المحاصيل على التكيف مع التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجة الحرارة والجفاف.

ما التحديات التي تواجه التحسين الوراثي؟

كما هي الحياة، التي لا تخلو أبداً من التحديدات، فقابل تلك الجهود المبذولة للتحسين الوراثي للمحاصيل الاقتصادية تحديات جمة، في مقدمتها تأتي التكلفة العالية، فهي تتطلب تقنيات تحسين وراثي حديثة ذات استثمارات كبيرة، كما أن الطرق التقليدية الرخيصة نوعاً ما، تحتاج إلى الوقت الطويل، فقد يستغرق تطوير صنف جديد من المحاصيل عدة سنوات، وقد أثارت التقنيات الحديثة كثير من القضايا الأخلاقية والبيئية، فبعض التقنيات المستخدمة في التحسين الوراثي أوجدت مخاوف أخلاقية وبيئية.

خلاصة القول.. إن التحسين الوراثي للمحاصيل أداة قوية لمواجهة التحديات الزراعية المستقبلية، من خلال تطوير أصناف جديدة من المحاصيل تمتلك صفات مرغوبة، يمكننا ضمان الأمن الغذائي وتحسين جودة الحياة للإنسان، ومع ذلك، يجب موازنة فوائد التحسين الوراثي مع المخاطر المحتملة والتكاليف المطلوبة، والتأكد من استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول.

* أستاذ الوراثة - كلية الزراعة - جامعة المنيا