إنه شعب يابنى ملتصق بتراب هذا الوطن، يسكنه منذ سبعة آلاف عام، تعلق به كما يتعلق الطفل الرضيع بثدى أمه، فما كان له أن بتخيل الرحيل عنه يوما، ولا أن يفارقه، تكونت خلايا جسده من أديمه، وامتلأت رئتاه من شذى عبير غيطانه، ورائحة طينه، ومسك نيله، فلا تعجب حين يفديه بروحه .
ولا تندهش حين يصل إلى مسامعك ذلك الفتى ذو العشرين ربيعا وقد باغت الإرهابى الجاحد المأجور والمضلل فاحتضنه واندفع به بعيداً عن رفاقه ليفديهم، فينفجرا معاً، وتصعد الروحان معاً، واحدة إلى قاع الجحيم والثانية إلى أعلى عليين .
ولا تندهش حين تقرأ عن جده عبد العاطى صائد الدبابات الذى دمر ثلاثين دبابة للعدو، ولا عن جده سيد نصير الفلاح الأقصرى الذى قتل عشرين صهيونياً بمفرده فى حرب أكتوبر المجيدة .
ولا تندهش حين يصل إلى مسامعك نبأ ذلك الفدائى البورسعيدي الذى وضع قنبلة فى رغيف خبز وظل يأكل من أطرافه حتى وصل إلى كولونيل إنجليزى محتل فألقاها عليه ليصرعه فى الحال .
كما لا تندهش حين تسمع عن تلك الأم العظيمة التى هربت بوليدها الوحيد إلى القاهرة وهى فى ريعان صباها، لتعمل خادمة فى بيوت الأثرياء، وتربى ذلك الطفل اليتيم لكى يصبح على إبراهيم باشا مؤسس دار الحكمة وأبو الطب فى مصر .
ولا تندهش من رجل اسمه محمد غنيم، عاش من أجل مساعدة فقراء بلده دون أي مطمع شخصى ولا مجد ذاتي ولا عائد مادي، ولا من مجدي يعقوب ولا صلاح عطية ولا من مواكب الشهداء وطوابير العظماء.
فهذا الوطن يابنى يستحق، ولا تعكر صفو وطنيتك بفاسد هنا أو لص هناك، فالوطن سوف يغسل نفسه بنفسه، ويسترجع بريقه، ويسترد لمعانه، علينا فقط ألا نفقد الإيمان به، ولا الانتماء إليه.