صارت علاقات الناس كالحطب اليابس: جافة، قاسية، حادة، مدببة كالشوك، خالية من الماء والنضارة والبهجة والحياة، تساقطت أوراقها وذبلت ثمارها، وتبخرت مظاهر الود منها!
بات خبراً عادياً أن تسمع عن شاب وحيد ضرب أمه التى ترملت عليه منذ صباها، وطردها إلى الشارع كي يستولي على شقتها التي أسستها مع أبيه، بعد رحلة كفاح مريرة، وجهد جهيد.
وبات خبراً عادياً أن ترى المحاكم تعج بالقضايا التي رفعها الأخوة الأشقاء على بعضهم، من جراء ميراث تافه، قد يكون مئات من الجنيهات، أو عدة أمتار أقل من القبر الذى سيدفن فيه أحدهم، أو عقار متهالك، أو أرض بور، أو متاع حقير!
وترى محاكم الأسرة ملأى بالأزواج والزوجات، يلعب بهم الشر، ومحامو السوء، ومع بكاء الأطفال وعويلهم، تعلن على الناس أدق الأسرار الزوجية، وتفضح العلاقات الحميمية، ويمعن المتخاصمون فى تبادل الاتهامات بالخيانة والشذوذ، وترى الأثاث الذى زُف يوماً بالزغاريد والتهانى اذا به محمولاً على سيارة أمام المحكمة كالميّت الذى يشيّع الى مثواه الأخير، وسط الدموع والحسرة والبكاء على اللبن المسكوب والندم الذى لايفيد وعض الأصابع وشماتة الشامتين.
كانت علاقات الناس فى زمن قريب، كأشجار القطن، مُزينة بالأوراق الخضراء الكثيفة، ولوزات القطن الأبيض الناصع المتهدلة والمتدلهة فى دلال، تلمع فى ضوء الشمس كأنها تبتسم، مثل ثغر حسناء جميلة، وترى الشجيرات مُتشابكة، متداخلة، متعانقة، لاتستطيع المرور بينها بسهولة، فكل واحدة منها تحتضن الأخرى فى سعادة غامرة، فترسم لوحة معبرة مبهجة تعبر عن تلازم أبدى وعشق سرمدى، فلا تستطيع أن توقع بينها العداوة أبداً، كأنه ميثاق غليظ بين عاشقين أقسما ألا ينقضانه حتى الموت.
كانت الناس أشجاراً مثمرة بالرحمة، صارت اليوم حطباً يابساً يختزن الحقد والغل والضغينة، وما أسهل أن تشتعل النار في الحطب.