بصلة حبنا
بقلم: مأمون الشناوي
أشرت على صديقي أن يقدم إلى حبيبته في عيد الحب بصلة، باقة من البصل الأخضر أو "شرش" من البصل الأحمر اليابس.
وقبل أن يتهمني بالجنون أو يقطع ما بيننا من أواصر المودة، قلت له: تمهل ياصديقي، فإننى جاد فيما أعرضه عليك، فلكل عمر هديته التي تليق به، وفي عمر زوجتك حبيبتك، يكون البصل هو أثمن ما يمكن أن تهديها به، فإن كانت تعاني من أمراض القلب أو السكر أو هشاشة العظام أو تصلب الشرايين، فإن الكروم الذي يحتوي عليه البصل يقلل من أعراض تلك الأمراض المهلكة، وإن كانت تداهمها نزلات البرد والأنفلونزا ـ وهذا غالباً ما يحدث في شتائنا القارس ـ فإن البصل غني بفيتامين c الذي يعمل مع الكورسيتين والفلافونيدات الأخرى على قتل البكتريا الضارة.
وحبذا لو كان ذلك مصحوبا بطبق من شوربة البصل بالكريمة، وما أروع أن تعصر فى أذنيها قطرات من رحيق البصل حتى تنظفها وتسمعك جيداً وأنت تقول لها (بحبك).
هدأت روعة صديقى، وبدا وكأنه على وشك الاقتناع، وسألنى عن حقيقة ما أقول وعن مدى توافقه مع العلم التجريبى، فقلت له: يا صديقى إن الله قد اختص أرض مصر بزراعة البصل، كما اختص أهلها بحب تناوله والإكثار منه، والاعتقاد في فوائده الجمة، وأجدادك الفراعين هم أول من توصلوا لذلك، فها هو الطبيب الفرعوني (عنخ رع) يصف علاجا عند الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا الحادة عبارة عن وجبة مكونة من بصلتين، مقطعة إلى أجزاء صغيرة وتغسل جيداً بالخل، ثم تضاف عليها ثمرة من الطماطم، يتناولها المريض قبل النوم مباشرة، ثم يأوي إلى فراش نومه دون غسل أسنانه وفمه، وسوف ينعم المريض بنوم هادئ، وعميق، يقوم بعده وقد اختفت كل أعراض مرضه.
كما أن الفراعين قد ذكروا البصل فى بردياتهم عشرات المرات، على أنه يستخدم فى تركيبات أدوية أمراض مختلفة، وكفاتح للشهية، حتى أنهم وجدوا أحد المومياوات ممسكاً فى يده بصلة، ربما كان ينوى إهداءها إلى حبيبته، أو أن تساعده على الحياة في العالم الآخر.
وقد ورثنا عنهم حتى اليوم وضع بصلة أمام أنف المولود فور نزوله، ونحن الشعب الوحيد الذى مازال يستخدم البصل فى افاقة من يغمى عليه، ونستخدم قشر ه لازالة التقيحات وتجميع الصديد، لكننا توقفنا عن استخدامه فى الوقاية من الحسد ودفع الشر، كما كان يفعل أجدادنا !.
تلفتُ حولى فلم أجد صديقى، بحثتُ عنه، فإذا به قادم علي وفي كلتا يديه حزمتان من البصل، واحدة خضراء، والأخرى حمراء، وقد لفهما في قطع من السلوفان اللامع الزاهي، ويقول لي وهو يبتسم "بصلة حُبنا".