المعلم المفترى عليه
عندما يغيض الماء ، ويتدنى منسوبه فى النهر ؛ فإن كل المراكب تبدو هابطة ، وهذا ماجرى فى مجتمعنا ! .
والمعلم مهنة رسولية مقدسة ، لكنها ابتذلت على طول الزمان ، وعرضه ، ففى ثلاثية نجيب محفوظ ، يدخل معلم إلى مقهى ويجلس على مقعد فيها ، فيأتي النادل ويأمره بترك المقعد لأنه مخصص للسيد مأمور الداخلية ، وينصاع المعلم صاغرا ، ويقول عنه طه حسين بأنه مريض يداوى مرضى ، وأنه بائس يواسى بؤساء ، وكان وقتها طه حسين وزيرا للمعارف !.
وبلغت المأساة ذروتها ، حين عرضه الإعلام نهازا للفرص مستغلا دنىء الناس ، وأحيانا سفاحا هتاكا للأعراض ، وقد نشرت جريدة الأهرام يوما خبرا مفاده قيام معلم باغتصاب إحدى عشرة فتاة فى بيته دفعة واحدة ، ثم تبين ان ذلك توجيه حكومى فى إطار خطة ذكية لمحاربة الدروس الخصوصية ! . ثم يصدر حسين كامل بهاء الدين قرارا بمعاقبة من يرتكب عنفا من ( الطرفين ) ، والطرفان هنا هما المعلم والتلميذ ، هكذا يضع المعلم فى مواجهة تلميده رأسا برأس ، مما خلق نوعا من البغض المتبادل والتربص ، انعكس بشكل مباشر فيما نراه من قسوة بعض المعلمين على تلاميذهم ، وكذلك وقاحة التلاميذ وتطاولهم على معلميهم حتى وصل حد الضرب والقتل كما حدث فى احدى مدارس المنيا منذ عامين ! .
وحين تضع معلما فى مواجهة مائة وعشرين تلميذا فى فصل واحد ، وتطالبه أن يعلمهم ، فأنت تدفعه الى الموت قهرا أو مرضا أو إلى الانتحار ! .
ولهذا ، ترانى لا أخطىء فى معرفة سمت المعلم من بين عشرات المهن والوظائف ، فتراه منكسرا ، منكمشا ، متوترا ، متبرما ، ساخطا ، شاعرا بالظلم والاضطهاد دوما ، مثيرا للشفقة والاحسان ، بعيدا عن أباطرة الدروس الخصوصية ومراكزها وأصحاب البزنس والذين يذهبون لمشاهدة كأس العالم ، فهؤلاء لايقاس عليهم ، وليسوا معلمين ، وإنما هم تجار ، ورجال أعمال ، وتماسيح بشرية ! .